للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فذهب حتى أمعن، ورأى أنه قد أعجَز الحية، ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه، ثم نودي: يا موسى أنْ: ارجع حيث كنت. فرجع موسى وهو شديد الخوف. فقال: (خُذْهَا) بيمينك (وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأولَى) وعلى موسى حينئذ مِدْرَعة من صوف، فدخلها بخلال من عيدان، فلما أمره بأخذها أدلى طرف المدرعة على يده، فقال له ملك (١) أرأيت يا موسى، لو أذن الله بما تحاذر أكانت المدرعة تغني عنك شيئًا؟ قال: لا ولكني ضعيف، ومن ضَعْف خلقت. فكشف عن يده ثم وضعها على فم الحية، حتى سمع حسّ الأضراس والأنياب، ثم قَبض فإذا هي عصاه التي عهدها، وإذا يده في موضعها الذي كان يضعها إذا توكأ بين الشعبتين؛ ولهذا قال تعالى: (سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأولَى) أي: إلى حالها (٢) التي تعرف قبل ذلك.

﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (٢٣) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٢٤) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (٣٥)﴾.

وهذا بُرهان ثان لموسى، ، وهو أن الله أمره أن يدخل يده في جيبه، كما صرح به في الآية الأخرى، وهاهنا عبر عن ذلك بقوله: (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ) وقال في مكان آخر: ﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ [القصص: ٣٢].

وقال مجاهد: (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ) كفه تحت عضده.

وذلك أن موسى، ، كان إذا أدخل يده في جيبه ثم أخرجها، تخرج تتلألأ كأنها فلقة قمر.

وقوله: (تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي: من غير بَرَص ولا أذى، ومن غير شين. قاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، والسدي، وغيرهم.

وقال الحسن البصري: أخرجها -والله-كأنها مصباح، فعلم موسى أنه قد لقي ربه ﷿؛ ولهذا قال تعالى: (لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى).

وقال وهب: قال له ربه: ادْنُهْ: فلم يزل يدنيه حتى شدّ ظهره بجذع الشجرة، فاستقر وذهبت عنه الرعدة، وجمع يده في العصا، وخضع برأسه وعنقه.

وقوله (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) أي: اذهب إلى فرعون ملك مصر، الذي خَرَجت فارًا منه


(١) في ف: "مالك".
(٢) في ف: "حالتها".