للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذهب به البحر، فحصل لها من الغم والهم ما ذكره الله عنها في قوله: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ [القصص: ١٠] فذهب به البحر إلى دار فرعون ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: ٨] أي قدرًا مقدورًا (١) من الله، حيث كانوا هم يقتلون الغلمان (٢) من بني إسرائيل، حذرًا من وجود موسى، فحكم الله -وله السلطان العظيم، والقدرة التامة-ألا يربى إلا على فراش فرعون، ويغذى بطعامه وشرابه، مع محبته وزوجته له؛ ولهذا قال: (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) [أي: عند عدوك، جعلته يحبك. قال سلمة بن كُهَيْل: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي)] (٣) قال: حببتك إلى عبادي.

(وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) قال أبو عمران الجوني: تربى بعين الله.

وقال قتادة: تغذى على عيني.

وقال معمر بن المثنى: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) بحيث أرى.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يعني أجعله في بيت الملك ينعم ويترف، غذاؤه عندهم غذاء الملك، فتلك الصنعة.

وقوله: (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا) وذلك أنه لما استقر عند آل فرعون، عرضوا عليه المراضع، فأباها، قال الله ﷿: ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ﴾ فجات أخته وقالت (٤) ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ [القصص: ١٢]. تعني (٥) هل أدلكم على من ترضعه (٦) لكم بالأجرة؟ فذهبت به وهم معها إلى أمه، فعرضت عليه ثديها، فقبله، ففرحوا بذلك فرحًا شديدًا، واستأجروها على إرضاعه فنالها بسببه سعادة ورفعة وراحة في الدنيا وفي الآخرة (٧) أغنم وأجزل؛ ولهذا جاء في الحديث: "مثل الصانع الذي يحتسب (٨) في صنعته الخير، كمثل أم موسى، ترضع ولدها وتأخذ أجرها" (٩).

وقال تعالى هاهنا: (فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ) أي: عليك، (وَقَتَلْتَ نَفْسًا) يعني: القبطي، (فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ) وهو ما حصل له بسبب عزم آل فرعون على قتله (١٠) ففر منهم هاربًا، حتى ورد ماء مدين، وقال له ذلك الرجل الصالح: ﴿لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: ٢٥].

وقوله: (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) قال الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، ، في كتاب التفسير من سننه، قوله: (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا):


(١) في أ: "أي قدرا مقدرا".
(٢) في أ: "العلماء"
(٣) زيادة من أ.
(٤) في ف، أ: "فقالت".
(٥) في ف، أ: "يعني".
(٦) في ف: "يرضعه".
(٧) في أ: "الأخرى".
(٨) في ف، أ: "يحسب".
(٩) روى أبو داود في المراسيل برقم (٣٣٢) من طريق جبير بن نفير نحوه ولفظه "مثل الذين يغزون من أمتي ويأخذون الجعل ويتقوون على عدوهم به مثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها".
(١٠) في ف: "آل فرعون ليقتلوه" وفي أ: "ليقتله".