للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حديث الفتون

حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا أصبغ بن زيد، حدثنا القاسم بن أبي أيوب، أخبرني سعيد بن جبير، قال: سألت عبد الله بن عباس عن قول الله، ﷿، لموسى، : (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) فسألته عن الفتون ما هو؟ فقال: استأنف النهار يا بن جبير، فإن لها حديثًا طويلا. فلما أصبحت غدوت إلى (١) ابن عباس لأنتجز منه ما وعدني من حديث الفتون، فقال: تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله وعد إبراهيم، (٢) أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكًا، فقال بعضهم: إن بني إسرائيل ينتظرون ذلك، ما (٣) يشكون فيه وكانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب، فلما هلك قالوا: ليس هكذا كان وعد إبراهيم، فقال فرعون: فكيف ترون؟ فائتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالا معهم الشفار، يطوفون في بني إسرائيل، فلا يجدون مولودًا ذكرًا إلا ذبحوه. ففعلوا ذلك، فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم، والصغار يذبحون، قالوا: يوشك أن تفنوا بني إسرائيل، فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة التي (٤) كانوا يكفونكم، فاقتلوا عامًا كل مولود ذكر، فيقل أبناؤهم (٥) ودعوا عامًا فلا تقتلوا منهم أحدًا، فيشب الصغار مكان من يموت من الكبار؛ فإنهم لن يكثروا (٦) بمن تستحيون منهم فتخافوا مكاثرتهم إياكم، ولم يفنوا بمن تقتلون وتحتاجون إليهم، فأجمعوا أمرهم على ذلك.

فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان، فولدته علانية آمنة. فلما كان من قابل حملت بموسى، ، فوقع في قلبها الهَمّ والحزن، وذلك من الفتون -يا بن جبير-ما دخل عليه في بطن أمه، مما يراد به، فأوحى الله [جل ذكره] (٧) إليها أن ﴿وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٧] فأمرها إذا ولدت أن تجعله في تابوت ثم تلقيه (٨) في اليم. فلما ولدت فعلت ذلك، فلما توارى عنها ابنُها أتاها الشيطان، فقالت في نفسها: ما فعلت با بني، لو ذبح عندي فواريته وكفنته، كان أحب إليّ من أن ألقيه إلى دواب البحر وحيتانه.

فانتهى الماء به حتى أوفى به عند فُرْضَة مستقى جواري امرأة فرعون، فلما رأينه أخذنه فهممن أن يفتحن التابوت، فقال بعضهن (٩) إن في هذا مالا وإنا إن فتحناه لم تصدقنا امرأة الملك بما وجدناه فيه، فحملنه كهيئته لم يخرجن منه شيئًا حتى رفعنه (١٠) إليها. فلما فتحته رأت فيه غلامًا، فألقى عليه منها (١١) محبة لم يلق منها على أحد قط. وأصبح فؤاد أم موسى فارغًا من ذكر كل شيء، إلا من ذكر موسى.

فلما سمع الذباحون بأمره، أقبلوا بشفارهم إلى امرأة فرعون ليذبحوه، وذلك من الفتون يا بن


(١) في ف، أ: "على".
(٢) في ف، أ: "".
(٣) في ف: "ما كانوا".
(٤) في أ: "الذي".
(٥) في أ: "بناتهم".
(٦) في أ: "يكبروا".
(٧) زيادة من ف، أ.
(٨) في ف، أ: "وتلقيه".
(٩) في أ: "بعضهم".
(١٠) في ف، أ: "دفعنه".
(١١) في ف، أ: "عليها منه".