للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(ثُمَّ أَتَى) أي: اجتمع الناس لميقات يوم معلوم وهو يوم الزينة، وجلس فرعون على سرير مملكته، واصطف له أكابر دولته، ووقفت الرعايا يمنة ويسرة وأقبل موسى، ، يتوكأ على عصاه، ومعه أخوه هارون، ووقف السحرة بين يدي فرعون صفوفًا، وهو يحرضهم ويحثهم، ويرغبهم في إجادة عملهم في ذلك اليوم، ويتمنون عليه، وهو يعدهم ويمنيهم، فيقولون: ﴿أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ (١) إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ [الشعراء: ٤١، ٤٢]. (قَالَ (٢) لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) أي: لا تُخَيّلُوا للناس بأعمالكم إيجاد أشياء لا حقائق لها، وأنها مخلوقة، وليست مخلوقة، فتكونون قد كذبتم على الله، (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ) أي: يهلككم بعقوبة هلاكًا لا بقية له، (وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى * فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) قيل: معناه: أنهم تشاجروا فيما بينهم فقائل يقول: ليس هذا بكلام ساحر، إنما هذا كلام نبي. وقائل يقول: بل هو ساحر. وقيل غير ذلك، والله أعلم.

وقوله: (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) أي: تناجوا فيما بينهم، (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) هذه لغة لبعض العرب، جاءت هذه القراءة على إعرابها، ومنهم من قرأ: "إنْ هَذَينِ لَسَاحِرَانِ" وهذه اللغة المشهورة، وقد توسع النحاة في الجواب عن القراءة الأولى بما ليس هذا موضعه.

والغرض أن السحرة قالوا فيما بينهم: تعلمون (٣) أن هذا الرجل وأخاه -يعنون: موسى وهارون-ساحران عالمان خبيران بصناعة السحر، يريدان في هذا اليوم أن يغلباكم وقومكم ويستوليا على الناس، وتتبعهما العامة ويقاتلا فرعون وجنوده، فينتصرا عليه ويخرجاكم من أرضكم.

وقوله: (وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) أي: ويستبدا بهذه الطريقة، وهي السحر، فإنهم كانوا معظَّمين بسببها، لهم أموال وأرزاق عليها، يقولون: (٤) إذا غلب هذان أهلكاكم وأخرجاكم من الأرض، وتفردا بذلك، وتمحضت لهما الرياسة بها دونكم.

وقد تقدم في حديث الفتون عن (٥) ابن عباس [قال] (٦) في قوله: (وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) يعني: ملكهم الذي هم فيه والعيش.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا هُشَيْم، عن عبد الرحمن بن إسحاق، سمع الشعبي يحدث عن علي في قوله: (وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) قال: يصرفا (٧) وجوه الناس إليهما.

وقال مجاهد: (وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) قال: أولي الشرف والعقل والأسنان.

وقال أبو صالح: (بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) أشرافكم وسرواتكم. وقال عكرمة: بخيركم. وقال قتادة: وطريقتهم المثلى يومئذ بنو إسرائيل، كانوا أكثر القوم عددا وأموالا فقال عدو الله: يريدان أن يذهبا بها لأنفسهما.


(١) في ف: "إنكم".
(٢) في أ: "فقال".
(٣) في ف أ: "يعلمون".
(٤) في ف: "يقولان".
(٥) في ف، أ: "أن".
(٦) زيادة من ف، أ.
(٧) في ف، أ: "يصرفان".