للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال عبد الرحمن بن زيد: (بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) بالذي أنتم عليه.

وقوله (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا) أي اجتمعوا كلكم (١) صفًّا واحدًا، وألقوا ما في أيديكم مرة واحدة، لتبهروا الأبصار، وتغلبوا هذا وأخاه، (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى) أي: منا ومنه، أما نحن فقد وعدنا هذا الملك العطاء الجزيل، وأما هو فينال الرياسة العظيمة.

﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (٦٥) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧) قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى (٦٨) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (٦٩) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (٧٠)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن السحرة حين توافقوا هم وموسى، ، أنهم قالوا لموسى: (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) أي: أنت أولا (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا) أي: أنتم أولا ليُرى ماذا تصنعون من السحر، وليظهر للناس جلية أمرهم، (فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى). وفي الآية الأخرى أنهم لما ألقوا ﴿وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾ [الشعراء: ٤٤] وقال تعالى: ﴿سَحَرُوا (٢) أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف: ١١٦]، وقال هاهنا (فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى).

وذلك أنهم أودعوها من الزئبق ما كانت تتحرك بسببه وتضطرب وتميد، بحيث يخيل للناظر (٣) أنها تسعى باختيارها، وإنما كانت حيلة، وكانوا جمًّا غفيرًا وجمعًا كبيرًا (٤) فألقى كل منهم عصا وحبلا حتى صار الوادي ملآن حيات يركب بعضها بعضًا.

وقوله: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى) أي خاف على الناس أن يَفْتَتِنوا بسحرهم ويغتروا بهم قبل أن يلقي ما في يمينه، فأوحى الله تعالى إليه في الساعة الراهنة أن (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ) يعني: عصاه، فإذا هي (تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا) وذلك أنها صارت تِنِّينًا (٥) عظيما هائلا ذا عيون وقوائم وعنق ورأس وأضراس، فجعلت تتبع تلك الحبال والعصي حتى لم تبق (٦) منها شيئًا إلا تلقفته وابتلعته، والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عيانًا جَهْرة، نهارًا ضحوة. فقامت المعجزة، واتضح البرهان، وبطل ما كانوا يعملون (٧)؛ ولهذا قال تعالى: (إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى).

وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا محمد بن موسى الشيباني (٨) حدثنا حماد بن خالد، حدثنا ابن معاذ -أحسبه الصائغ-عن الحسن، عن جُنْدَب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله


(١) في أ: "كلهم".
(٢) في ف: "فسحروا".
(٣) في ف، أ: "للناظرين".
(٤) في ف، أ: "كثيرا".
(٥) في ف، أ: ثعبانا".
(٦) في ف: "لم يبق".
(٧) في ف، أ: "ووقع الحق وبطل السحر".
(٨) في ف: "ابن الشيباني".