للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (٧١) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٧٢) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (٧٣)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن كفر فرعون وعناده وبغيه ومكابرته الحق بالباطل، حين رأى ما رأى من المعجزة الباهرة والآية العظيمة، ورأى الذين قد استنصر بهم قد آمنوا بحضرة الناس كلهم وغُلِب كل الغلب -شرع في المكابرة والبهت، وعدل إلى استعمال جاهه وسلطانه في (١) السحرة، فتهددهم وأوعدهم (٢) وقال (آمَنْتُمْ لَهُ) أي: صدقتموه (قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) أي: وما أمرتكم بذلك، وافتتم (٣) عليّ في ذلك. وقال قولا يعلم هو والسحرة والخلق كلهم أنه بَهْت وكذب: (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) أي أنتم إنما أخذتم السحر عن موسى، واتفقتم أنتم وإياه عليّ وعلى رعيتي، لتظهروه، كما قال في الآية الأخرى: ﴿إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف ١٢٣].

ثم أخذ يتهددهم فقال: (فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) أي: لأجعلنكم مثلة [ولأقتلنكم] (٤) ولأشهرنكم.

قال ابن عباس: فكان أول من فعل ذلك. رواه ابن أبي حاتم.

وقوله: (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى) أي أنتم تقولون: إني وقومي على ضلالة، وأنتم مع موسى وقومه على الهدى. فسوف تعلمون من يكون له العذاب ويبقى فيه.

فلما صال عليهم بذلك وتوعدهم، هانت عليهم أنفسهم في الله ﷿، و (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ) أي: لن نختارك على ما حصل لنا من الهدى واليقين. (وَالَّذِي فَطَرَنَا) يحتمل أن يكون قسمًا، ويحتمل أن يكون معطوفًا على البينات.

يعنون: لا (٥) نختارك على فاطرنا وخالقنا الذي أنشأنا من العدم، المبتدئ خلقنا من الطين، فهو المستحق للعبادة والخضوع لا أنت.

(فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ) أي: فافعل ما شئت وما وَصَلَت إليه يدك، (إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) أي: إنما لك تَسَلُّط في هذه الدار، وهي دار الزَّوال ونحن قد رغبنا في دار القرار. (٦)


(١) في ف: "إلى".
(٢) في ف: "وتوعدهم" وفي أ: "فهددهم وتوعدهم".
(٣) في ف: "وأقسم" وفي أ: "وأقشم".
(٤) زيادة من ف، أ.
(٥) في ف، أ: "لن".
(٦) في أ: "البقاء"