للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (٩٩) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (١٠٠) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلا (١٠١)﴾.

يقول تعالى لنبيه محمد : كما قَصَصْنَا عليك خبر موسى، وما جرى له مع فرعون وجنوده على الجلية والأمر الواقع، كذلك نقص عليك الأخبار الماضية كما وقعت من غير زيادة ولا نقص، هذا (وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا) أي: عندنا (ذِكْرًا) وهو القرآن العظيم، الذي ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٢]، الذي لم يعط نبي من الأنبياء [منذ بعثوا إلى أن ختموا] (١) بمحمد تسليما، كتابًا مثله ولا أكمل منه، ولا أجمع لخبر ما سبق وخبر ما هو كائن، وحكم الفصل بين الناس منه؛ ولهذا قال تعالى: (مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ) أي: كذب به وأعرض عن اتباعه أمرًا وطلبًا، وابتغى الهدى في غيره، فإن الله يضله ويهديه إلى سواء الجحيم؛ ولهذا قال: (مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا) أي: إثمًا، كما قال [الله] (٢) تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هود: ١٧].

وهذا عام في كل من بلغه القرآن من العرب والعجم، أهل الكتاب وغيرهم، كما قال تعالى: ﴿لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام: ١٩]. فكل من بلغه القرآن فهو نذير له وداع، فمن اتبعه هدي، ومن خالفه وأعرض عنه ضَلَّ وشقي في الدنيا، والنار موعده يوم القيامة؛ ولهذا قال: (مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ) أي: لا مَحِيد لهم عنه ولا انفكاك (وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلا) أي: بئس الحمل حملهم. (٣)

﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (١٠٢) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا عَشْرًا (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا (١٠٤)﴾.

ثبت في الحديث أن رسول الله سُئِل عن الصُّور، فقال: "قَرنٌ يُنفَخ فيه" (٤).

وقد جاء في حديث "الصور" من رواية أبي هريرة: أنه قرن عظيم، الدَّارة منه بقدر السماوات والأرض، ينفخ فيه إسرافيل، .

وجاء في الحديث: "كيف أنعَمُ وصاحب القَرْن قد التقم القَرْن، وحنى جبهته، وانتظر أن يؤذن له" فقالوا: يا رسول الله، كيف نقول؟ قال: "قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا" (٥).

وقوله: (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا) قيل: معناه زُرْق العيون من شدة ما هم فيه من الأهوال.

(يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ) قال ابن عباس: يتسارّون (٦) بينهم، أي: يقول بعضهم لبعض: (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا عَشْرًا)


(١) زيادة من ف.
(٢) زيادة من ف.
(٣) في ف: "عليهم".
(٤) رواه أحمد في مسنده (٢/ ١٩٢) من حديث عبد الله بن عمرو .
(٥) سبق الحديث في الكلام عن الصور عند الآية: ٧٣ من تفسير سورة الأنعام.
(٦) في ف: "يتشاورون".