للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: جميع الرسل الذين تقدموا كانوا رجالا من البشر، لم يكن فيهم أحد من الملائكة، كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي (١) إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ [يوسف: ١٠٩]، وقال تعالى: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٩]، وقال تعالى حكاية عمن تقدم من الأمم أنهم أنكروا ذلك فقالوا: ﴿أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا﴾ [التغابن: ٦]؛ ولهذا قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أي: اسألوا أهل العلم من الأمم كاليهود والنصارى وسائر الطوائف: هل كان الرسل الذين أتوهم بشرًا أو ملائكة؟ إنما كانوا بشرًا، وذلك من تمام نِعمَ الله على خلقه؛ إذ بعث فيهم رسلا (٢) منهم يتمكنون من تناول البلاغ منهم والأخذ عنهم.

وقوله: (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ) أي: بل قد كانوا أجسادًا يأكلون الطعام، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ﴾ [الفرقان: ٢٠] أي: قد كانوا بشرا من البشر، يأكلون ويشربون مثل الناس، ويدخلون الأسواق للتكسب والتجارة، وليس ذلك بضار لهم ولا ناقص منهم شيئًا، كما توهمه المشركون في قولهم: ﴿مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا﴾ [الفرقان: ٧، ٨].

وقوله: (وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ) أي: في الدنيا، بل كانوا يعيشون ثم يموتون، ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾ [الأنبياء: ٣٤]، وخاصتهم أنهم يوحى إليهم من الله ﷿، تنزل عليهم الملائكة عن الله بما يحكم (٣) في خلقه مما يأمر به وينهى عنه.

وقوله: (ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ) أي: الذي وعدهم ربهم: "ليهلكن الظالمين"، صدقهم الله وعده ففعل ذلك؛ ولهذا قال: (فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ) أي: أتباعهم من المؤمنين، (وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) أي: المكذبين بما جاءت الرسل به.

﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠)

يقول تعالى منبهًا على شرف القرآن، ومحرضًا لهم على معرفة قدره: (لَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ) قال ابن عباس: شَرَفُكم.

وقال مجاهد: حديثكم. وقال الحسن: دينكم.


(١) في ف، أ: "نوحي".
(٢) في ف، أ: "رسولا"، وهو خطأ.
(٣) في ف: "يحكمه".