للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال إبراهيم النَّخعِي: (لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ) من الحور العين.

وقال عكرمة والسدي: المراد باللهو هاهنا: الولد.

وهذا والذي قبله متلازمان، وهو كقوله تعالى: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ﴾ [الزمر: ٤]، فنزه نفسه عن اتخاذ الولد مطلقًا، لا سيما عما يقولون من الإفك والباطل، من اتخاذ عيسى، أو العزير (١) أو الملائكة، ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٤٣].

وقوله: (إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ) قال قتادة، والسدي، وإبراهيم النخعي، ومغيرة بن مِقْسَم، أي: ما كنا فاعلين.

وقال مجاهد: كل شيء في القرآن "إن" فهو إنكار.

وقوله: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ) أي: نبين الحق فيدحض الباطل؛ ولهذا قال: (فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) أي: ذاهب مضمحل، (وَلَكُمُ الْوَيْلُ) أي: أيها القائلون: لله ولد، (مِمَّا تَصِفُونَ) أي: تقولون وتفترون.

ثم أخبر تعالى عن عبودية الملائكة له، ودأبهم في طاعته ليلا ونهارًا، فقال: (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ) يعني: الملائكة، (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ) أي: لا يستنكفون عنها، كما قال: ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا﴾ [النساء: ١٧٢].

وقوله: (وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) أي: لا يتعبون ولا يَملُّون.

(يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) فهم دائبون في العمل ليلا ونهارًا، مطيعون قصدًا وعملا قادرون عليه، كما قال تعالى: ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: ٦].

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن أبي دُلامة البغدادي، أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن صفوان بن مُحرِز، عن حكيم بن حِزَام قال: بينا رسول الله بين أصحابه، إذ قال لهم: "هل تسمعون ما أسمع؟ " قالوا: ما نسمع من شيء. فقال رسول الله : "إني لأسمع أطيط السماء، وما تلام أن تئط، وما فيها موضع شِبْر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم". غريب ولم يخرجوه (٢).

ثم رواه ابن أبي حاتم من طريق يزيد بن زُرَيْع، عن سعيد، عن قتادة مرسلا.

وقال أبو إسحاق (٣)، عن حسان بن مخارق، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: جلست إلى كعب الأحبار وأنا غلام، فقلت له: أرأيت قول الله [للملائكة] (٤) (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ)


(١) في ف: "أو عزيز".
(٢) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (٣/ ٢٠١) والطحاوي في مشكل الآثار برقم (١١٣٤) من طريق عبد الوهاب بن عطاء به، وله شاهد من حديث أبي ذر الغفاري أخرجه الترمذي في السنن برقم (٢٣١٢) وقال: "هذا حديث حسن غريب".
(٣) في هـ، ف، أ: "محمد بن إسحاق" والمثبت من الطبري ١٧/ ٧٠.
(٤) زيادة من ف، أ.