للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أما يشغلهم عن التسبيح الكلام والرسالة والعمل؟. فقال: فمن هذا الغلام؟ فقالوا: من بني عبد المطلب، قال: فقبل رأسي، ثم قال لي: يا بني، إنه جعل لهم التسبيح، كما جعل لكم النفس، أليس تتكلم وأنت تتنفس (١) وتمشي وأنت تتنفس؟.

﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)

ينكر (٢) تعالى على من اتخذ من دونه آلهة، فقال: بل (اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) أي: أهم يحيون الموتى وينشرونهم من الأرض؟ أي: لا يقدرون على شيء من ذلك. فكيف جعلوها لله ندًا وعبدوها معه.

ثم أخبر تعالى أنه لو كان في الوجود آلهة غيره لفسدت السماوات الأرض، فقال (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ) أي: في السماء والأرض، (لَفَسَدَتَا)، كقوله تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [المؤمنون: ٩١]، وقال هاهنا: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) أي: عما يقولون إن له ولدًا أو شريكًا، وتقدس وتنزه عن الذي يفترون ويأفكون علوًا كبيرًا.

وقوله: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) أي: هو الحاكم الذي لا معقب لحكمه، ولا يعترض عليه أحد، لعظمته وجلاله وكبريائه، وعلوه وحكمته وعدله ولطفه، (وَهُمْ يُسْأَلُونَ) أي: وهو سائل خلقه عما يعملون، كقوله: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الحجر: ٩٢، ٩٣] وهذا كقوله تعالى: ﴿وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ﴾ [المؤمنون: ٨٨].

﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤)

يقول تعالى: بل (اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ) يا محمد: (هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ) أي: دليلكم على ما تقولون، (هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) يعني: القرآن، (وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) يعني: الكتب المتقدمة على خلاف ما تقولون وتزعمون، فكل كتاب أنزل على كل نبي أرسل، ناطق بأنه لا إله إلا الله، ولكن أنتم أيها المشركون لا تعلمون الحق، فأنتم معرضون عنه؛

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)

ولهذا قال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي (٣) إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ)، كما قال: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ [الزخرف: ٤٥]،


(١) في ف: "وأنت تمشي".
(٢) في ف: "فينكر".
(٣) في ف، أ: "نوحي".