للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَذَا الْحَدِيثُ مُشْكَلٌ لَوْ صَحَّ إِسْنَادُهُ؛ لَأَنَّ الآية مكية، وفدك إِنَّمَا فُتِحَتْ مَعَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فَكَيْفَ يَلْتَئِمُ هَذَا مَعَ هَذَا؟!

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فِي "سُورَةِ بَرَاءَةٌ" بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا.

قَوْلُهُ [تَعَالَى] (١) {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} لَمَّا أَمَرَ بِالْإِنْفَاقِ نَهَى عَنِ الْإِسْرَافِ فِيهِ، بَلْ يَكُونُ وَسَطًا، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الْفُرْقَانِ: ٦٧] .

ثُمَّ قَالَ: مُنَفِّرًا عَنِ التَّبْذِيرِ وَالسَّرَفِ: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} أَيْ: أَشْبَاهَهُمْ فِي ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: التَّبْذِيرُ: الْإِنْفَاقُ فِي غَيْرِ حَقٍّ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَوْ أَنْفَقَ إِنْسَانٌ مَالَهُ كُلَّهُ فِي الْحَقِّ، لَمْ يَكُنْ مُبَذِّرًا، وَلَوْ أَنْفَقَ مُدًّا فِي غَيْرِ حَقِّهِ كَانَ تَبْذِيرًا.

وَقَالَ قَتَادَةُ: التَّبْذِيرُ: النَّفَقَةُ (٢) فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي غَيْرِ الْحَقِّ وَفِي الْفَسَادِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا لَيْث، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبَى هِلَالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي ذُو مَالٍ كَثِيرٍ، وَذُو أَهْلٍ وَوَلَدٍ وَحَاضِرَةٍ، فَأَخْبِرْنِي كَيْفَ أُنْفِقُ وَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنْ مَالِكَ، فَإِنَّهَا طُهْرَةٌ تُطَهِّرُكَ، وَتَصِلُ أَقْرِبَاءَكَ، وَتَعْرِفُ حَقَّ السَّائِلِ وَالْجَارِ وَالْمِسْكِينِ (٣) ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقْلِلْ (٤) لِي؟ فَقَالَ: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} فَقَالَ: (٥) : حَسْبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا أَدَّيْتُ الزَّكَاةَ إِلَى رَسُولِكَ فَقَدْ بَرِئْتُ مِنْهَا إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نَعَمْ، إِذَا أَدَّيْتَهَا إِلَى رَسُولِي فَقَدْ بَرِئْتَ مِنْهَا، فَلَكَ أَجْرُهَا، وَإِثْمُهَا عَلَى مَنْ بَدَّلَهَا" (٦) .

وَقَوْلُهُ [تَعَالَى] (٧) {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} أَيْ: فِي التَّبْذِيرِ وَالسَّفَهِ وَتَرْكِ طَاعَةِ اللَّهِ وَارْتِكَابِ مَعْصِيَتِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} أَيْ: جُحُودًا؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِطَاعَتِهِ؛ بَلْ أَقْبَلَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ.

وَقَوْلُهُ [تَعَالَى] (٨) {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا} أَيْ: وَإِذَا سَأَلَكَ أَقَارِبُكَ وَمَنْ أَمَرْنَا بِإِعْطَائِهِمْ وَلَيْسَ عِنْدَكَ شَيْءٌ، وَأَعْرَضْتَ عَنْهُمْ لِفَقْدِ النَّفَقَةِ {فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا} أَيْ: عِدْهُمْ وَعْدًا بِسُهُولَةٍ، وَلِينٍ إِذَا جَاءَ رِزْقُ اللَّهِ فَسَنَصِلُكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، هَكَذَا فَسَّرَ قَوْلَهُ {فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا} بِالْوَعْدِ: مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ وغير واحد.


(١) زيادة من ت.
(٢) في ف، أ: "الإنفاق".
(٣) في ت: "حق المسكين السائل والجار والمسكين".
(٤) في ت: "أتلك".
(٥) في ف: "قال"
(٦) المسند (٣/١٣٦) .
(٧) زيادة من ت
(٨) زيادة من ت

<<  <  ج: ص:  >  >>