للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنْ قَتْلِ الْأَوْلَادِ، كَمَا أَوْصَى بِالْأَوْلَادِ فِي الْمِيرَاثِ، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ الْبَنَاتِ، بَلْ كَانَ أَحَدُهُمْ رُبَّمَا قَتَلَ ابْنَتَهُ لِئَلَّا تَكْثُرَ عَيْلَتُهُ، فَنَهَى اللَّهُ [تَعَالَى] (١) عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} أَيْ: خَوْفَ أَنْ تَفْتَقِرُوا فِي ثَانِي الْحَالِ؛ وَلِهَذَا قَدَّمَ الِاهْتِمَامَ بِرِزْقِهِمْ فَقَالَ: {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} وَفِي الْأَنْعَامِ (٢) {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} أَيْ: مِنْ فَقْرٍ {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ (٣) } [الْأَنْعَامِ: ١٥١] .

وَقَوْلُهُ: {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} أَيْ: ذَنْبًا عَظِيمًا.

وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: "كَانَ خَطَأً كَبِيرًا" وَهُوَ بِمَعْنَاهُ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ". قُلْتُ:ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ". قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ (٤) جَارِكَ" (٥) .

{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا (٣٢) } .

يَقُولُ تَعَالَى نَاهِيًا عِبَادَهُ عَنِ الزِّنَا وَعَنْ مُقَارَبَتِهِ، وَهُوَ مُخَالَطَةُ أَسْبَابِهِ (٦) وَدَوَاعِيهِ {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} أَيْ: ذَنْبًا عَظِيمًا {وَسَاءَ سَبِيلا} أَيْ: وَبِئْسَ طَرِيقًا وَمَسْلَكًا.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ (٧) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا. فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، وَقَالُوا: مًهْ مَهْ. فَقَالَ: "ادْنُهْ". فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا (٨) فَقَالَ (٩) اجْلِسْ". فَجَلَسَ، قَالَ: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ " قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ". قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ قَالَ: "أَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ" قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ" قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ (١٠) فَرْجَهُ" قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ (١١) .

وَقَالَ (١٢) ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا بَقيَّةُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ الْهَيْثَمِ بن مالك الطائي، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ ذَنْبٍ بَعْدَ الشرك أعظم عند الله من نطفة


(١) زيادة من ف، أ.
(٢) في ت، ف، أ: "وقال في سورة الأنعام".
(٣) في ت: "نرزقهم وإياكم" وهو خطأ.
(٤) في ف: "خليلة"، وفي أ: "حليلة".
(٥) صحيح البخاري برقم (٤٤٧٧) وصحيح مسلم برقم (٦٨) .
(٦) في ت: "أشباهه".
(٧) في ت: "أتى إلى النبي".
(٨) في ف: "قريبا منه".
(٩) في ت: "فقال له".
(١٠) في ف: "وأحصن"
(١١) المسند (٥/٣٥٦) .
(١٢) في ف، أ: "قال".

<<  <  ج: ص:  >  >>