للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (أَفَإِنْ مِتَّ) أي: يا محمد، (فَهُمُ الْخَالِدُونَ)؟! أي: يؤملون أن يعيشوا بعدك، لا يكون هذا، بل كل إلى فناء؛ ولهذا قال: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)، وقد روي عن الشافعي، ، أنه أنشد واستشهد بهذين البيتين:

تمنى رجال أن أموت وإن أمت … فَتلْكَ سَبيل لَسْت فيهَا بأوْحد

فقُلْ للَّذي يَبْغي خلاف الذي مضى: … تَهَيَّأ لأخْرى مثْلها فكَأن قد (١)

وقوله: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) أي: نختبركم بالمصائب تارة، وبالنعم أخرى، لننظر من يشكر ومن يكفر، ومن يصبر ومن يقنط، كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (ونبلوكم)، يقول: نبتليكم بالشر والخير فتنة، بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية والهدى والضلال ..

وقوله: (وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) أي: فنجازيكم بأعمالكم.

﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (٣٦) خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧)﴾.

يقول تعالى لنبيه، صلوات الله وسلامه عليه، (وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني: كفار قريش كأبي جهل وأشباهه (إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا) أي: يستهزئون بك وينتقصونك، يقولون: (أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) يعنون: أهذا الذي يسب آلهتكم ويسفه أحلامكم، قال تعالى: (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ) أي: وهم كافرون بالله، ومع هذا يستهزئون برسول الله، كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا * إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا﴾ [الفرقان: ٤١، ٤٢].

وقوله: (خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ)، كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَكَانَ (٢) الإِنْسَانُ عَجُولا﴾ [الإسراء: ١١] أي: في الأمور.

قال مجاهد: خلق الله آدم بعد كل شيء من آخر النهار، من يوم خلق الخلائق فلما أحيا الروح عينيه ولسانه ورأسه، ولم يبلغ (٣) أسفله قال: يا رب، استعجل بخلقي قبل غروب الشمس.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سِنَان، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا محمد بن علقمة بن وقاص الليثي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "خير يوم طلعت فيه


(١) البيتان ذكرهما البيهقي في مناقب الشافعي (٢/ ٦٢) والرازي في مناقب الشافعي (ص ١١٩).
(٢) في ف: "وخلق".
(٣) في ف: "تبلغ".