للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها مؤمن يصلي -وقبض أصابعه قَلَّلَها (١) -فسأل الله خيرًا، إلا أعطاه إياه". قال أبو سلمة: فقال عبد الله بن سلام: قد عرفت تلك الساعة، وهي آخر ساعات النهار من يوم الجمعة، وهي التي خلق الله فيها آدم، قال الله تعالى: (خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) (٢).

والحكمة في ذكر عجلة الإنسان هاهنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول، صلوات الله [وسلامه] (٣) عليه، وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم واستعجلت (٤)، فقال الله تعالى: (خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ)؛ لأنه تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، يؤجل ثم يعجل، وينظر ثم لا يؤخر؛ ولهذا قال: (سَأُرِيكُمْ آيَاتِي) أي: نقمي وحكمي واقتداري على من عصاني، (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ).

﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٤٠)﴾.

يخبر تعالى عن المشركين أنهم يستعجلون أيضًا بوقوع العذاب بهم، تكذيبًا وجحودًا وكفرًا وعنادًا واستبعادًا، فقال: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)

قال الله تعالى: (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ) أي: لو تيقنوا أنها واقعة بهم لا محالة لما استعجلوا، ولو يعلمون حين يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ﴿لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾ [الزمر: ١٦]، ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ [الأعراف: ٤١]، وقال في هذه الآية: (حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ) وقال: ﴿سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ [إبراهيم: ٥٠]، فالعذاب محيط بهم من جميع جهاتهم، (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) أي: لا ناصر لهم كما قال: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ﴾ [الرعد: ٣٤].

وقوله: (بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً) (٥) أي: "تأتيهم النار بغتة"، أي: فجأة (فَتَبْهَتُهُمْ) أي: تذعرهم (٦) فيستسلمون لها حائرين، لا (٧) يدرون ما يصنعون، (فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا) أي: ليس لهم حيلة في ذلك، (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي: ولا يؤخر عنهم ذلك ساعة واحدة.


(١) في أ: "يقللها"
(٢) أخرج مالك في الموطأ (١/ ١٠٨) من طريق يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة نحوه دون ذكر الآية وأخرج الشيخان أوله والله أعلم.
(٣) زيادة من ف، أ.
(٤) في ف، أ: "واستعجلت ذلك".
(٥) في ف: "بغتة فتبهتهم"
(٦) في ف، أ: "تدعوهم".
(٧) في ف: "حائرون ولا".