للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} أَيْ أَنَّ الْوَلِيَّ مَنْصُورٌ عَلَى الْقَاتِلِ شَرْعًا، وَغَالِبًا قَدَرًا.

{وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا (٣٤) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا (٣٥) } .

يَقُولُ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أَيْ: لَا تَتَصَرَّفُوا لَهُ إِلَّا بِالْغِبْطَةِ {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النِّسَاءِ: ٢] وَ {لَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النِّسَاءِ: ٦] .

وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي ذَرٍّ: "يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي: لَا تَأَمَّرَن عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ (١) " (٢) .

وَقَوْلُهُ [تَعَالَى] (٣) : {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} أَيِ الَّذِي تُعَاهِدُونَ عَلَيْهِ النَّاسَ وَالْعُقُودَ الَّتِي تُعَامِلُونَهُمْ بِهَا، فَإِنَّ الْعَهْدَ وَالْعَقْدَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُسْأَلُ صَاحِبُهُ عَنْهُ {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا} أَيْ: عَنْهُ.

وَقَوْلُهُ [تَعَالَى] (٤) : {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ} أَيْ: مِنْ غَيْرِ تَطْفِيفٍ، وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ. {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ} قُرِئَ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِهَا، كَالْقِرْطَاسِ وَهُوَ الْمِيزَانُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ.

وَقَوْلُهُ: {الْمُسْتَقِيمِ} أَيْ: الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ وَلَا انْحِرَافَ وَلَا اضْطِرَابَ.

{ذَلِكَ خَيْرٌ} أَيْ: لَكُمْ فِي مَعَاشِكُمْ وَمَعَادِكُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} أَيْ: مَآلًا وَمُنْقَلَبًا فِي آخِرَتِكُمْ.

قَالَ: سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} أَيْ: خَيْرٌ ثَوَابًا وَعَاقِبَةً. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمَوَالِي، إِنَّكُمْ وُلِّيتُمْ أَمْرَيْنِ بِهِمَا هَلَكَ النَّاسُ قَبْلَكُمْ: هَذَا الْمِكْيَالَ، وَهَذَا الْمِيزَانَ. قَالَ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: "لَا يَقْدِرُ رَجُلٌ عَلَى حَرَامٍ ثُمَّ يَدَعُهُ، لَيْسَ بِهِ إِلَّا مَخَافَةُ اللَّهِ، إِلَّا أَبْدَلَهُ اللَّهُ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ذَلِكَ" (٥) .

{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا (٣٦) } .


(١) في ت: "بخيل".
(٢) صحيح مسلم برقم (١٨٢٦) .
(٣) زيادة من ت.
(٤) زيادة من ت.
(٥) وقد جاء في مسند أحمد (٥/٧٨) عن أبي قتادة وأبي الدهماء عن رجل من أهل البادية، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بيده وَقَالَ: "إِنَّكَ لَا تَدَعُ شَيْئًا اتِّقَاءَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، إِلَّا أَعْطَاكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ".

<<  <  ج: ص:  >  >>