للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّجه، وَكُلٌّ (١) مِنَ السَّلَفِ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ، فَسَّرَ بَعْضَ الْمُشَارِكَةِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ (٢) ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنفاء، فَجَاءَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ (٣) عَنْ دِينِهِمْ، وحَرّمت عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ" (٤) .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ: "لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدّر بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا" (٥) .

وَقَوْلُهُ: {وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا} كَمَّا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ إِبْلِيسَ أَنَّهُ يَقُولُ إِذَا حَصْحَصَ الْحَقُّ يَوْمَ يُقْضَى بِالْحَقِّ: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} الْآيَةَ [إِبْرَاهِيمَ: ٢٢] .

وَقَوْلُهُ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} : إِخْبَارٌ بِتَأْيِيدِهِ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَحِفْظِهِ إِيَّاهُمْ، وَحِرَاسَتِهِ لَهُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا} أَيْ: حَافِظًا وَمُؤَيِّدًا وَنَاصِرًا.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهيعة، عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَان، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ ليُنْضي شَيَاطِينَهُ (٦) كَمَا يُنْضِي أَحَدُكُمْ بَعيرَه فِي السَّفَرِ" (٧) .

يُنْضِي، أَيْ: يَأْخُذُ بِنَاصِيَتِهِ وَيَقْهَرُهُ.

{رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٦٦) } .

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ لُطْفِهِ بِخَلْقِهِ فِي تَسْخِيرِهِ لِعِبَادِهِ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ، وَتَسْهِيلِهَا (٨) لِمَصَالِحِ عِبَادِهِ لِابْتِغَائِهِمْ مِنْ فَضْلِهِ (٩) فِي التِّجَارَةِ مِنْ إِقْلِيمٍ إِلَى إِقْلِيمٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} أَيْ: إِنَّمَا فَعَلَ هَذَا بكم من فضله عليكم، ورحمته بكم.


(١) في ت، ف" "فكل".
(٢) في ف، أ: "عن ابن عباس عن عياض بن حمار". وفي ت: "حماد" بدل "حمار".
(٣) في ت: "واجتالتهم".
(٤) صحيح مسلم برقم (٢٨٦٥) .
(٥) صحيح البخاري برقم (١٤١) وصحيح مسلم برقم (١٤٣٤) .
(٦) في ت: "شيطانه".
(٧) المسند (٢/٣٨٠) .
(٨) في ت، ف، أ: "وتسهيله لها".
(٩) في ف، أ: "فضله لهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>