للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم ﷿، بل أبلغ من هذا أيضًا، وهو ما ثبت في صحيح مسلم، عن أبي بُردَةَ (١)، عن أبيه، عن النبي قال: "يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم، ويضَعُها على اليهود والنصارى" (٢).

وفي لفظ له: قال رسول الله : "إذا كان يوم القيامة دَفَعَ الله لكل مسلم يهوديًّا أو نصرانيًّا، فيقال (٣): هذا فَكَاكُكَ من النار". فاستحلف عُمر بن عبد العزيز أبا بُردَةَ بالله الذي لا إله إلا هو، ثلاث مرات، أن أباه حَدَّثه عن رسول الله ، قال: فحلف له (٤). قلت: وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ٦٣]، وكقوله: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الزخرف: ٧٢]. وقد قال مجاهد، وسعيد بن جُبَيْر: الجنة بالرومية هي الفردوس.

وقال بعض السلف: لا يسمى البستان فردوسًا إلا إذا كان فيه عنب، فالله أعلم (٥).

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن ابتداء خلق الإنسان من سلالة من طين، وهو آدم، ، خلقه الله من صلصال من حمأ مسنون.

وقال الأعمش، عن المِنْهال بن عمرو، عن أبي يحيى، عن ابن عباس: (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) قال: صَفوةُ الماء.

وقال مجاهد: (مِنْ سُلالَةٍ) أي: من منيّ آدم.

قال ابن جرير: وإنما سمي آدم طينًا لأنه مخلوق منه.

وقال قتادة: استُلّ آدمُ من الطين. وهذا أظهر في المعنى، وأقرب إلى السياق، فإنه آدم، ، خلق من طين لازب، وهو الصلصال من الحمأ المسنون، وذلك مخلوق من التراب، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ [الروم: ٢٠].


(١) في ف، أ: "بردة بن أبي موسى".
(٢) صحيح مسلم برقم (٢٧٦٧).
(٣) في ف، أ: "فيقول".
(٤) صحيح مسلم برقم (٢٧٦٧).
(٥) في ف، أ: "والله أعلم.