للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا عَوْف، حدثنا قَسَامة بن زُهَيْر، عن أبي موسى، عن النبي قال: "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قَدْر الأرض، جاء منهم الأحمر والأسود والأبيض، وبين ذلك، والخبيث والطيب، وبين ذلك".

وقد رواه أبو داود والترمذي، من طرق، عن عوف الأعرابي، به نحوه (١). وقال الترمذي: حسن صحيح.

(ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً): هذا الضمير عائد على جنس الإنسان، كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ [السجدة: ٧، ٨] أي: ضعيف، كما قال: ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (٢)﴾، يعني: الرحمُ مُعَد لذلك مهيأ له، ﴿إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾ [المرسلات: ٢٢، ٢٣]، أي: [إلى] (٣) مدة معلومة وأجل معين حتى استحكم وتنَقَّل من حال إلى حال، وصفة إلى صفة؛ ولهذا قال هاهنا: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) أي: ثم صَيَّرنا النطفة، وهي الماء الدافق الذي يخرج من صلب الرجل -وهو ظهره-وترائب المرأة-وهي عظام صدرها ما بين الترقوة إلى الثندوة-فصارت علقة حمراء على شكل العلقة مستطيلة. قال عكرمة: وهي دم.

(فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً): وهي قطعة كالبَضعة من اللحم، لا شكل فيها ولا تخطيط، (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا) يعني: شكلناها ذات رأس ويدين ورجلين بعظامها وعصبها وعروقها.

وقرأ آخرون: (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا (٤)).

قال ابن عباس: وهو عظم الصلب.

وفي الصحيح، من حديث أبي الزِّنَاد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "كل جسد ابن آدم يبلى إلا عَجْبُ الذَّنَب، منه خلق ومنه (٥) يركب" (٦).

فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا) أي: وجعلنا على ذلك ما يستره ويشده ويقويه، (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) أي: ثم نفخنا فيه الروح، فتحرك وصار (خَلْقًا آخَرَ) ذا سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا جعفر بن مُسافر، حدثنا يحيى بن حسان، حدثنا النضر -يعني: ابن كثير، مولى بني هاشم-حدثنا زيد بن علي، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب، ، قال: إذا أتمت النطفة أربعة أشهر، بُعِث إليها مَلك فنفخ فيها الروح في


(١) المسند (٤/ ٤٠٠) وسنن أبي داود برقم (٤٦٩٣) وسنن الترمذي برقم (٢٩٥٥).
(٢) في أ: "فجعلناه نطفة" وهو خطأ.
(٣) زيادة من ف، أ.
(٤) في ف، أ: "النطفة عظاما".
(٥) في أ: "وفيه".
(٦) صحيح البخاري برقم (٤٩٣٥) وصحيح مسلم برقم (٢٩٥٥) من حديث أبي هريرة .