للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم قال منكرًا على الكفار والمشركين من قريش: (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ) أي: غفلة وضلالة (مِنْ هَذَا) أي: القرآن الذي أنزله [الله تعالى] (١) على رسوله .

وقوله: (وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ): قال الحكم (٢) بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس: (وَلَهُمْ أَعْمَالٌ) أي: سيئة من دون ذلك، يعني: الشرك، (هُمْ لَهَا عَامِلُونَ) قال: لا بد أن يعملوها. وكذا روي عن مجاهد، والحسن، وغير واحد.

وقال آخرون: (وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ) أي: قد كتب عليهم أعمال سيئة لا بد أن يعملوها قبل موتهم لا محالة، لتحق عليهم كلمة العذاب. ورُوِي نَحو هذا عن مقاتل بن حيَّان والسُّدِّيّ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وهو ظاهر قوي حسن. وقد قدمنا في حديث ابن مسعود: "فوالذي لا إله غيره، إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها".

وقوله: (حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ) يعني: حتى إذا جاء مترفيهم -وهم السعداء المنعمون في الدنيا-عذابُ الله وبأسه ونقمته بهم (إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ) أي: يصرخون ويستغيثون، كما قال تعالى: ﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلا * إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا﴾ [المزمل: ١١ - ١٣]، وقال تعالى: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ [ص: ٣].

وقوله: (لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ) أي: لا نجيركم (٣) مما حل بكم، سواء جأرتم أو سكتُّم، لا محيد ولا مناص ولا وَزَرَ لزم الأمر ووجب العذاب.

ثم ذكر أكبر ذنوبهم فقال: (قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ) أي: إذا دعيتم أبيتم، وإن (٤) طُلبتم امتنعتم؛ ﴿ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ [غافر: ١٢].

وقوله: (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ): في تفسيره قولان، أحدهما: أن مستكبرين حال منهم حين نكوصهم عن الحق وإبائهم إياه، استكبارًا عليه واحتقارًا له ولأهله، فعلى هذا الضمير في (بِهِ) فيه ثلاثة أقوال:

أحدهما (٥): أنه الحرم بمكة، ذموا لأنهم كانوا يسمرون بالهُجْر (٦) من الكلام.

والثاني: أنه (٧) ضمير القرآن، كانوا يسمرون ويذكرون القرآن بالهجر من الكلام: "إنه سحر، إنه شعر، إنه كهانة" إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة.


(١) زيادة من أ.
(٢) في أ: "الحكيم".
(٣) في أ: "يجيركم".
(٤) في ف، أ: "وإذا".
(٥) في أ: "أحدها".
(٦) في أ: "الهجر".
(٧) في أ: "هو".