للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعني: الحد، (أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فخصها بالغضب، كما أن الغالب أن الرجل لا يتجشم فضيحة أهله ورميها بالزنى إلا وهو صادق معذور، وهي تعلم صدقه فيما رماها به. ولهذا كانت الخامسة في حقها أن غضب الله عليها. والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحق ثم يحيد عنه.

ثم ذكر تعالى لطفه بخلقه، ورأفته بهم، وشرعه (١) لهم الفرج والمخرج من شدة ما يكون فيه من الضيق، فقال: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) أي: لحرجتم (٢) ولشق عليكم كثير من أموركم، (وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ) [أي] (٣): على عباده -وإن كان ذلك بعد الحلف والأيمان المغلظة- (حَكِيمٌ) فيما يشرعه (٤) ويأمر به وفيما ينهى عنه.

وقد وردت الأحاديث بمقتضى العمل بهذه الآية، وذكر سبب نزولها، وفيمن نزلت فيه من الصحابة، فقال الإمام أحمد:

حدثنا يزيد، أخبرنا عَبَّاد بن منصور، عن عكْرمَة، عن ابن عباس قال: لما نزلت: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا﴾، قال سعد بن عبادة -وهو سيد الأنصار -: هكذا أنزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله ": يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟ " قالوا: يا رسول الله، لا تَلُمه فإنه رجل غيور، والله ما تزوج امرأة قَطّ [إلا بكرًا، وما طلق امرأة له قط] (٥) فاجترأ رجل منا أن يتزوجها، من شدة غيرته. فقال سعد: والله -يا رسول الله -إني لأعلم أنها حق وأنها من الله، ولكني قد تعجَبت أني لو وجدت لَكاعًا قد تَفَخَّذها رجل، لم يكن لي أن أهيّجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء، فوالله لا آتي بهم حتى يقضي حاجته. قال: فما لبثوا إلا يسيرًا حتى جاء هلال بن أمية -وهو أحد الثلاثة الذين تِيبَ عليهم -فجاء من أرضه عشاء، فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينيه، وسمع بأذنيه، فلم يُهَيّجه حتى أصبح، فغدا على رسول الله فقال: يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء، فوجدتُ عندها رجلا فرأيت بعيني، وسمعت بأذني. فَكَرِهَ رسولُ الله ما جاء به، واشتدّ عليه، واجتمعت الأنصار فقالوا (٦): قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة، الآن يضرب رسول الله هلالَ بن أمية، ويبْطل شهادته في المسلمين (٧). فقال هلال: والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجًا. وقال هلال: يا رسول الله، إني قد أرى ما اشتد عليك مما (٨) جئت به، والله يعلم إني لصادق. فوالله إن رسول الله يريد أن يأمر بضربه، إذ أنزل الله على رسول الله الوحي -وكان إذا نزل عليه الوحي عرفوا ذلك، في تَرَبُّد وجهه (٩). يعني: فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي -فنزلت: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ) (١٠) الآية، فَسُرّي عن رسول الله ، فقال: "أبشر يا هلال، قد جعل الله لك فرجًا ومخرجًا". فقال هلال: قد كنت أرجو ذلك من ربي، ﷿. فقال رسول الله : "أرسلوا إليها".


(١) في ف، أ: "في شرعه".
(٢) في ف: "خرجتم".
(٣) زيادة من ف، أ.
(٤) في أ: "فيما شرعه".
(٥) زيادة من ف، أ، والمسند.
(٦) في ف: "فقالت".
(٧) في هـ: "ويبطل شهادته في الناس" والمثبت من ف، أ، والمسند.
(٨) في ف: "فيما".
(٩) في أ: "جلده".
(١٠) في ف، أ: (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله).