للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال السدي في قوله: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ): فبنوره أضاءت السموات والأرض.

وفي الحديث الذي رواه محمد بن إسحاق في السيرة، عن رسول الله أنه قال في دعائه يوم آذاه أهل الطائف: "أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل بي غَضبك أو ينزل بي سَخَطُك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك (١) " (٢).

وفي الصحيحين، عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه سلم إذا قام من الليل يقول: "اللهم لك الحمد، أنت قَيّم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن" الحديث (٣).

وعن ابن مسعود، ، قال: إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار، نور العرش من نور وجهه.

وقوله: (مَثَلُ نُورِهِ) في هذا الضمير قولان:

أحدهما: أنه عائد إلى الله، ﷿، أي: مثل هداه في قلب المؤمن، قاله ابن عباس (كمشكاة).

والثاني: أن الضمير عائد إلى المؤمن الذي دل عليه سياق الكلام: تقديره: مثل نور المؤمن الذي في قلبه، كمشكاة. فشبه قلب المؤمن وما هو مفطور عليه من الهدى، وما يتلقاه من القرآن المطابق لما هو مفطور عليه، كما قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧]، فشبه قلب (٤) المؤمن في صفائه في نفسه بالقنديل من الزجاج الشفاف الجوهري، وما يستهديه من القرآن والشرع بالزيت الجيد الصافي المشرق المعتدل، الذي لا كدر فيه ولا انحراف.

فقوله (٥): (كَمِشْكَاةٍ): قال ابن عباس، ومجاهد، ومحمد بن كعب، وغير واحد: هو موضع الفتيلة من القنديل. هذا هو المشهور؛ ولهذا قال بعده: (فِيهَا مِصْبَاحٌ)، وهو الذُّبالة التي تضيء.

وقال العوفي، عن ابن عباس [في] (٦) قوله: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ): وذلك أن اليهود قالوا لمحمد : كيف يخلص نور الله من دون السماء؟ فضرب الله مثل ذلك لنوره، فقال: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ). والمشكاة: كوَّة في البيت -قال: وهو مثل ضَرَبه الله لطاعته (٧). فسمَّى الله طاعَتَه نُورًا، ثم سَمَاها أنواعا شَتَّى.

وقال ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد: الكوة بلُغة الحبشة. وزاد غيره فقال: المشكاة: الكوة التي لا منفذ لها. وعن مجاهد: المشكاة: الحدائد التي يعلق بها القنديل.

والقول الأول أولى، وهو: أن المشكاة هي موضع الفَتيلة من القنديل؛ ولهذا قال: (فِيهَا مِصْبَاحٌ) وهو النور الذي في الذُّبالة.


(١) في ف، أ: "بالله".
(٢) رواه ابن هشام في السيرة النبوية (١/ ٤٢٠)، عن ابن إسحاق.
(٣) صحيح البخاري برقم (١١٢٠) وصحيح مسلم برقم (٧٦٩).
(٤) في ف، أ: "القلب".
(٥) في أ: "وقوله".
(٦) زيادة من ف، أ.
(٧) في ف: "لأهل طاعته".