للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يخبر تعالى عن تعنت الكفار وعنادهم وتكذيبهم للحق بلا حجة ولا دليل منهم، وإنما تعللوا بقولهم: (مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ)، يعنون: كما نأكله، ويحتاج إليه كما نحتاج إليه، (وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ) أي: يتردد فيها وإليها طلبا للتكسب والتجارة، (لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا) يقولون (١): هلا أنزل إليه ملك من عند الله، فيكون له شاهدا على صِدْق ما يدَّعيه! وهذا كما قال فرعون: (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسَارِوَةٌ (٢) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) [الزخرف: ٥٣]. وكذلك قال هؤلاء على السواء، تشابهت قلوبهم؛ ولهذا قال: (أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز) أي: علم كنز [يكون] (٣) ينفق منه، (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا) أي: تسير معه حيث سار. وهذا كله سهل يسير على الله، ولكن له الحكمة في ترك ذلك، وله الحجة البالغة (وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا).

قال الله تعالى: (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ) أي: جاءوا بما يقذفونك به ويكذبون به عليك، من قولهم "ساحر، مسحور، مجنون، كذاب، شاعر" وكلها أقوال باطلة، كل أحد ممن له أدنى فهم وعقل يعرف كذبهم وافتراءهم في ذلك؛ ولهذا قال: (فضلوا) أي: عن طريق الهدى، (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا) وذلك لأن كل من خرج عن الحق فإنه ضال حيثما توجه؛ لأن الحق واحد ومنهج متحد، يُصَدّق بعضه بعضا.

ثم قال تعالى مخبراً نبيه أنه لو شاء لآتاه خيراً مما يقولون في الدنيا وأفضل وأحسن، فقال [تعالى] (٤) (تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا).

قال مجاهد: يعني: في الدنيا، قال: وقريش يسمون كل بيت من حجارة قصرا، سواء كان كبيرا أو صغيرا (٥).

وقال سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن خَيْثَمَة؛ قيل للنبي : إن شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم يعط نبي قبلك، ولا يُعطى أحد من بعدك، ولا ينقص ذلك مما لك عند الله؟ فقال: اجمعوها لي في الآخرة، فأنزل الله ﷿ في ذلك: (تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا) (٦).


(١) في أ: "يقول".
(٢) في ف: "أسورة"
(٣) زيادة من أ.
(٤) زيادة من أ.
(٥) في ف، أ: "صغيرا أو كبيرا".
(٦) رواه الطبري في تفسيره (١٨/ ١٤٠) من طريق سفيان به مرسلا.