للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ) أي: إنما يقول هؤلاء هكذا تكذيباً وعناداً، لا أنهم يطلبون ذلك تبصرا واسترشادا، بل تكذيبهم بيوم القيامة يحملهم على قول ما يقولونه من هذه الأقوال، (وأعتدنا) أي: وأرصدنا (لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا) أي: عذابا أليماً حاراً لا يطاق في نار جهنم.

وقال الثوري، عن سلمة بن كُهَيْل، عن سعيد بن جبير: "السَّعِير": واد من قيح جهنم.

﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (١٢) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (١٣) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (١٤)﴾.

وقوله: (إِذَا رَأَتْهُمْ) أي: جهنم (مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) يعني: في مقام المحشر. قال السدي: من مسيرة مائة عام (سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا) أي: حنقا (١) عليهم، كما قال تعالى: ﴿إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ﴾ [الملك: ٧،٨] أي: يكاد ينفصل بعضها من بعض؛ من شدة غيظها على من كفر بالله.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا إدريس بن حاتم بن الأخيف (٢) الواسطي: أنه سمع محمد بن الحسن الواسطي، عن أصبغ بن زيد، عن خالد بن كثير، عن خالد بن دُرَيْك، عن رجل من أصحاب النبي قال: قال رسول الله : "من يقل عَلَيَّ ما لم أقل، أو ادعى إلى غير والديه، أو انتمى إلى غير مواليه، فليتبوأ [مقعده من النار". وفي رواية: "فليتبوأ] (٣) بين عيني جهنم مقعدا" قيل: يا رسول الله، وهل لها من عينين؟ قال: "أما سمعتم الله يقول: (إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) الآية".

ورواه ابن جرير، عن محمد (٤) بن خِدَاش، عن محمد بن يزيد (٥) الواسطي، به (٦).

وقال أيضًا: حدثنا أبي، حدثنا علي بن محمد الطَّنَافِسي، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عيسى بن سليم، عن أبي وائل قال: خرجنا مع عبد الله -يعني: ابن مسعود -ومعنا الربيع بن خَيْثَم فمروا على حداد، فقام عبد الله ينظر إلى حديدة في النار، ونظر الربيع بن خَيْثَم إليها فتمايل ليسقط، فمر عبد الله على أتّون على شاطئ الفرات، فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في جوفه قرأ هذه الآية: (إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا) فصعق -يعني: الربيع بن خَيْثَم -فحملوه إلى أهل بيته (٧) ورابطه عبد الله إلى الظُّهر فلم يفق، .

وحدثنا أبي: حدثنا عبد الله بن رجاء، حدثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: إن العبد ليجر إلى النار، فتشهق إليه شهقة البغلة إلى الشعير، ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف.


(١) في أ: "خنقا".
(٢) في ف، أ: "الأحنف".
(٣) زيادة من ف، أ.
(٤) في ف: "محمود".
(٥) في أ: "زيد".
(٦) تفسير الطبري (١٨/ ١٤٠).
(٧) في أ: "إلى أهله".