للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

: يعني: قطع الطريق، كما في الآية الأخرى: ﴿وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ [وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ](١) [الأعراف: ٨٦].

﴿وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ (١٨٤)

وقوله: (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ): يخوفهم بأس الله الذي خلقهم وخلق آباءهم الأوائل، كما قال موسى، : ﴿رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ﴾ [الصافات: ١٢٦]. قال ابن عباس، ومجاهد، والسُّدَّي، وسفيان بن عيينة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: (وَالْجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ) يقول: خلق الأولين. وقرأ ابن زيد: ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا﴾ [يس: ٦٢].

﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥) وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (١٨٦) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٩١)﴾.

يخبر تعالى عن جواب قومه له بمثل ما أجابت به ثمود لرسولها (٢) -تشابهت قلوبهم -حيث قالوا: (إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) يعنون: من المسحورين، كما تقدم.

(وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ) أي: تتعمد الكذب فيما تقوله، لا أن الله أرسلك إلينا.

(فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ): قال الضحاك: جانبا من السماء. وقال قتادة: قطعا من السماء. وقال السدي: عذابًا من السماء. وهذا شبيه بما قالت قريش فيما أخبر الله عنهم في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا﴾، إلى أن قالوا: ﴿أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا﴾ [الإسراء: ٩٠ - ٩٢]. وقوله: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢]، وهكذا قال هؤلاء الكفرة الجهلة: (فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).

(قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ) يقول: الله أعلم بكم، فإن كنتم تستحقون ذلك جازاكم به غير ظالم لكم، وكذلك وقع بهم كما سألوا، جزاءً وفاقًا؛ ولهذا قال تعالى: (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) وهذا من جنس ما سألوا، من إسقاط الكسف عليهم، فإن الله، ، جعل عقوبتهم (٣) أن أصابهم حر شديد جدا مدة سبعة أيام لا يَكُنُّهم منه شيء، ثم


(١) زيادة من ف، أ.
(٢) في ف، أ: "لرسلها".
(٣) في أ: "عقوبته".