للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الواحد الدمشقي -غير منسوب -من طريق عمرو بن سَمُرَةَ، عن محمد بن سُوقَةَ، عن عبد الواحد الدمشقي قال: رأيت أبا الدرداء، ، يحدث الناس ويفتيهم، وولده إلى جنبه، وأهل بيته جلوس في جانب المسجد يتحدثون، فقيل له: ما بال الناس يرغبون فيما عندك من العلم، وأهل بيتك جلوس لاهين؟ فقال: لأني سمعت رسول الله يقول: "أزهد الناس في الدنيا الأنبياء، وأشدهم عليهم الأقربون". وذلك فيما أنزل الله، ﷿: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ)، ثم قال: "إن أزهد الناس في العالم أهله حتى يفارقهم". ولهذا قال [الله تعالى]: (١) (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ. وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٢).

وقوله: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) أي: في جميع أمورك؛ فإنه مؤيدك وناصرك وحافظك ومظفرك ومُعْلٍ كلمتك.

وقوله: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ) أي: هو معتن بك، كما قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ (٣) لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ [الطور: ٤٨].

قال ابن عباس: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ) يعني: إلى الصلاة.

وقال عكرمة: يرى قيامه وركوعه وسجوده.

وقال الحسن: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ): إذا صليت وحدك.

وقال الضحاك: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ.) أي: من فراشك أو مجلسك.

وقال قتادة: (الَّذِي يَرَاكَ): قائما وجالسا وعلى حالاتك.

وقوله: (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ): قال قتادة: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ. وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) قال: في الصلاة، يراك وحدك ويراك في الجَمْع. وهذا قول عكرمة، وعطاء الخراساني، والحسن البصري.

وقال مجاهد: كان رسول الله يرى مَنْ خلفه كما يرى مَنْ أمامه؛ ويشهد لهذا ما صح في الحديث: "سَوّوا صفوفكم؛ فإني أراكم من وراء ظهري" (٤).

وروى البزار وابن أبي حاتم، من طريقين، عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: يعني تقلبه من صلب نبي إلى صلب نبي، حتى أخرجه نبيا.

وقوله: (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي: السميع لأقوال عباده، العليم بحركاتهم وسكناتهم، كما قال تعالى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ الآية. [يونس: ٦١].


(١) زيادة من أ.
(٢) تاريخ دمشق (١٠/ ٥٨٧ المخطوط).
(٣) في جميع النسخ: "فاصبر". والصواب ما أثبتناه.
(٤) رواه البخاري في صحيحه برقم (٧٢٣).