للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ) أي: على أن ترعى عليّ ثماني سنين، فإن تبرعت بزيادة سنتين فهو إليك (١)، وإلا ففي ثمان كفاية، (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي: لا أشاقك، ولا أؤاذيك، ولا أماريك.

وقد استدلوا بهذه الآية الكريمة لمذهب الأوزاعي، فيما إذا قال: "بعتك هذا بعشرة نقدًا، أو بعشرين نسيئة" أنه يصح، ويختار المشتري بأيهما أخذه صح. وحُمل الحديث المروي في سنن أبي داود: "من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو الربا " (٢) على هذا المذهب. وفي الاستدلال بهذه الآية وهذا الحديث على هذا المذهب نظر، ليس هذا موضع بسطه لطوله. والله أعلم.

ثم قد استدل أصحاب الإمام أحمد ومَنْ تبعهم، في صحة (٣) استئجار الأجير بالطعمة والكسوة بهذه الآية، واستأنسوا في ذلك بما رواه أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه في كتابه السنن، حيث قال: "باب استئجار الأجير على طعام بطنه": حدثنا محمد بن المصفّى الحِمْصي، حدثنا بَقيَّة بن الوليد، عن مسلمة (٤) بن علي، عن سعيد بن أبي أيوب، عن الحارث بن يزيد، عن علي بن رَبَاح قال: سمعت (٥) عُتبةَ بن النُّدَّر (٦) يقول: كنا عند رسول الله فقرأ ﴿طسم﴾ (٧)، حتى إذا بلغ قصة موسى قال: "إن موسى أجَّرَ نفسه ثماني سنين أو: عشر (٨) سنين على عفة فرجه وطعام بطنه (٩).

وهذا الحديث من هذا الوجه ضعيف (١٠)، لأن مسلمة (١١) بن علي وهو الخُشَني الدمشقي البلاطيّ ضعيف الرواية عند الأئمة، ولكن قد رُوي من وجه آخر، وفيه نظر أيضا.

وقال (١٢) ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد، حدثنا عبد الله بن لَهيعة، عن الحارث بن يزيد الحضرمي، عن علي بن رَبَاح اللخمي قال: سمعت عتبة بن النّدر السلمي -صاحب رسول الله -يحدث أن رسول الله قال: "إن موسى آجر نفسه بعفة فرجه، وطعمة بطنه" (١٣).

وقوله تعالى إخبارا عن موسى، : (قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ)، يقول: إن موسى قال لصهره: الأمر على ما قلت من أنك استأجرتني على ثمان سنين، فإن أتممت عشرًا فمن عندي، فأنا متى فعلت أقلهما [فقد] (١٤) برئت من العهد، وخرجت من الشرط؛ ولهذا قال: (أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ) أي: فلا


(١) في ت: "لك".
(٢) سنن أبي داود برقم (٣٤٦١).
(٣) في أ: "حجة".
(٤) في أ: "سلمة".
(٥) في ت: "ثم روى بإسناده عن".
(٦) في هـ، ت: "المنذر" والمثبت من ف، وسنن ابن ماجه.
(٧) في ت: "طس".
(٨) في ت: "أو عشرة".
(٩) سنن ابن ماجه برقم (٢٤٤٤) وضعفه البوصيري في الزوائد (٢/ ٢٦٠) لتدليس بقية بن الوليد.
(١٠) في ت: "وهذا الحديث فيه ضعف من هذا الوجه".
(١١) في أ: "سلمة".
(١٢) في أ: "فقال".
(١٣) ورواه البزار في مسنده برقم (١٤٩٥) "كشف الأستار" من طريق يحيى بن بكير عن ابن لهيعة بأطول منه، وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف.
(١٤) زيادة من أ.