للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في قوله: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) قال: لها وجهان، قال: ذكر الله عندما حرمه، قال: وذكر الله إياكم أعظم من ذكركم إياه.

وقال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدَّثنا هُشَيْم، أخبرنا عطاء بن السائب، عن عبد الله بن ربيعة قال: قال لي ابن عباس: هل تدري ما قوله تعالى: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)؟ قال: قلت: نعم. قال: فما هو؟ قلت: التسبيح والتحميد والتكبير في الصلاة، وقراءة القرآن، ونحو ذلك. قال: لقد قلت قولا عجبًا، وما هو كذلك، ولكنه إنما يقول: ذكر الله إياكم عندما أمر به أو نهى عنه إذا ذكرتموه، أكبر من ذكركم إياه (١).

وقد روي هذا من غير وجه عن ابن عباس. وروي أيضا عن ابن مسعود، وأبي الدرداء، وسلمان الفارسي، وغيرهم. واختاره ابن جرير.

﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦)﴾.

قال قتادة وغير واحد: هذه الآية منسوخة بآية السيف، ولم يبق معهم مجادلة، وإنما هو الإسلام أو الجزية أو السيف.

وقال آخرون: بل هي باقية أو محكمة لِمَنْ أراد الاستبصار منهم في الدين، فيجادل بالتي هي أحسن، ليكون أنجع فيه، كما قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [النحل: ١٢٥]، وقال تعالى لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: ٤٤]. وهذا القول اختاره ابن جرير (٢)، وحكاه عن ابن زيد.

وقوله: (إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) أي: حادوا عن وجه الحق (٣)، وعَمُوا عن واضح المحجة، وعاندوا وكابروا، فحينئذ ينتقل من الجدال إلى الجلاد، ويقاتلون بما يردعهم ويمنعهم، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحديد: ٢٥].

قال جابر: أمرْنَا من خالف كتاب الله أن نضربه بالسيف.

قال مجاهد: (إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) يعني: أهل الحرب، وَمَنِ امتنع منهم عن أداء الجزية.

وقوله: (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزلَ إِلَيْنَا وَأُنزلَ إِلَيْكُمْ)، يعني: إذا أخبروا بما لا يعلم صدقه ولا كذبه، فهذا لا نُقدم على تكذيبه لأنه قد يكون حقا، ولا على تصديقه، فلعله أن يكون باطلا


(١) تفسير الطبري (٢٠/ ٩٩).
(٢) تفسير الطبري (٢١/ ٢).
(٣) في ف، أ: "الحجة".