للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفم وخدان. وليس يشبه واحد منهم الآخر، بل لا بد أن يفارقه بشيء من السمت أو الهيئة أو الكلام، ظاهرا كان أو خفيا، يظهر عند التأمل، كل وجه منهم أسلوب بذاته وهيئة لا تشبه الأخرى. ولو توافق جماعة في صفة من جمال أو قبح (١)، لا بد من فارق بين كل واحد منهم وبين الآخر، (إنَّ فِي ذَلِك لآيات للعَالَمين * وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي: ومن الآيات ما جعل لكم من صفة النوم في الليل والنهار، فيه تحصل الراحة وسكون الحركة، وذهاب الكلال والتعب، وجعل لكم الانتشار والسعي في الأسباب والأسفار في النهار، وهذا ضد النوم، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) أي: يعون.

قال الطبراني: حدثنا حجاج بن عمران السدوسي، حدثنا عمرو بن الحصين العقيلي، حدثنا محمد بن عبد الله بن عُلاثة، حدثني ثور بن يزيد، عن خالد بن مَعْدان، سمعت عبد الملك بن مروان يحدث عن أبيه (٢)، عن زيد بن ثابت، ، قال: أصابني أرق من الليل، فشكوت ذلك إلى رسول الله فقال: "قل: اللهم غارت النجوم، وهدأت العيون، وأنت حي قيوم، يا حي يا قيوم، [أنم عيني و] (٣) أهدئ ليلي" فقلتها فذهب عني (٤).

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤)

يقول تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ) الدالة على عظمته أنه (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ [خَوْفًا وَطَمَعًا) أي:] (٥) تارة تخافون مما يحدث بعده من أمطار مزعجة، أو صواعق متلفة، وتارة ترجون وَمِيضَه وما يأتي بعده من المطر المحتاج إليه؛ ولهذا قال: (وَيُنزلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) أي: بعدما كانت هامدة لا نبات فيها ولا شيء، فلما جاءها الماء ﴿اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [الحج: ٥]. وفي ذلك عبرة ودَلالَة واضحة على المعاد وقيام الساعة؛ ولهذا قال: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (٢٥)﴾.

ثم قال: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ) كقوله: ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ﴾ [الحج: ٦٥]، وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا﴾ [فاطر: ٤١]. وكان عمر بن الخطاب، ، إذا اجتهد في اليمين يقول: لا والذي تقوم السماء والأرض بأمره، أي: هي قائمة ثابتة بأمره لها وتسخيره إياها، ثم إذا كان يوم القيامة بُدلت الأرض


(١) في أ: "قبيح".
(٢) في ت: "وروى الطبراني بإسناده".
(٣) زيادة من ت، ف، ومعجم الطبراني.
(٤) المعجم الكبير (٥/ ١٢٤) ورواه ابن السني في عمل اليوم والليلة برقم (٧٤٥) وابن عدي في الكامل (٥/ ١٥٠) من طريق عمرو بن الحصين به، وقال ابن عدي: "تفرد به عمرو بن الحصين وهو مظلم الحديث، ويروي عن قوم معروفين". وله شاهد من حديث أنس، حسنه الحافظ ابن حجر كما في الفتوحات الربانية لابن علان (٣/ ١٧٧).
(٥) زيادة من ت.