للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذه الأمة (١) أيضًا اختلفوا فيما بينهم على نحل كلها ضلالة (٢) إلا واحدة، وهم أهل السنة والجماعة، المتمسكون بكتاب الله وسنة رسول الله (٣) ، وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين، وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه، كما رواه الحاكم في مستدركه أنه سئل، (٤) عن الفرقة الناجية منهم، فقال: "ما أنا عليه [اليوم] (٥) وأصحابي" (٦).

﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤) أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣٧)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن الناس إنهم في حال الاضطرار يدعون الله وحده لا شريك له، وأنه إذا أسبغ عليهم النعم، إذا فريق منهم [أي] (٧) في حالة الاختبار يشركون بالله، ويعبدون معه غيره.

وقوله: (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ)، هي لام العاقبة عند بعضهم، ولام التعليل عند آخرين، ولكنها تعليل لتقييض الله لهم ذلك.

ثم توعدهم بقوله: (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٨)، قال بعضهم: والله لو توعدني حارس دَرْب لخفت منه، فكيف والمتوعد هاهنا [هو] (٩) الذي يقول للشيء: كن، فيكون.

ثم قال منكرًا على المشركين فيما اختلقوه من عبادة الأوثان بلا دليل ولا حجة ولا برهان. (أَمْ أَنزلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا) أي: حجة (فَهُوَ يَتَكَلَّمُ) أي: ينطق (بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ)؟ وهذا استفهام إنكار، أي: لم يكن [لهم] (١٠) شيء من ذلك.

ثم قال: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ)، هذا إنكار على الإنسان من حيث هو، إلا مَنْ عَصَمه الله ووفقه؛ فإن الإنسان إذا أصابته نعمة بَطر وقال: ﴿ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ﴾ [هود: ١٠]، أي: يفرح في نفسه ويفخر على غيره، وإذا أصابته شدة قَنط وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير بالكلية؛ قال الله: ﴿إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [هود: ١١]، أي: صبروا في الضراء، وعملوا الصالحات في الرخاء، كما ثبت في الصحيح: "عجبا للمؤمن، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرًا له، إن أصابته سراء شكر فكان


(١) في ت: "الآية".
(٢) في أ: "ضالة".
(٣) في ف: "رسوله".
(٤) في ف، أ: "".
(٥) زيادة من: أ، والمستدرك.
(٦) المستدرك (١/ ١٢٨، ١٢٩)، وقال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف ص (٦٣): "إسناده حسن".
(٧) زيادة من أ.
(٨) في ت: "يعلمون".
(٩) زيادة من ت، ف، أ.
(١٠) زيادة من أ.