للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

، ولو كانت تلك الذرة محصنة محجبة في داخل صخرة صَمَّاء، أو غائبة ذاهبة في أرجاء السماوات أو الأرض (١) فإن الله يأتي بها؛ لأنه لا تخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض؛ ولهذا قال: (إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) أي: لطيف العلم، فلا تخفى عليه الأشياء وإن دَقت ولطفت وتضاءلت (خَبِيرٌ) بدبيب النمل في الليل البهيم.

وقد زعم بعضهم أن المراد بقوله: (فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) أنها صخرة تحت الأرضين (٢) السبع، ذكره السُّدِّي بإسناده ذلك المطروق عن ابن عباس وابن مسعود وجماعة من الصحابة إن صح ذلك، ويروى هذا عن عطية العوفي، وأبي مالك، والثوري، والمِنهال بن عمرو، وغيرهم. وهذا والله أعلم، كأنه متلقى من الإسرائيليات التي لا تصدق، ولا تكذب، والظاهر -والله أعلم -أن المراد: أن هذه الحبة في حقارتها لو كانت داخل صخرة، فإن الله سيبديها ويظهرها بلطيف علمه، كما قال (٣) الإمام أحمد:

حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لَهِيعة، حدثنا دَراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، ، عن رسول الله قال: " لو أن أحدكم يعمل في صخرة صَمَّاء، ليس لها باب ولا كوَّة، لخرج عمله للناس كائنًا ما كان" (٤).

ثم قال: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ) أي: بحدودها وفروضها وأوقاتها، (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) أي: بحسب طاقتك وجهدك، (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ)، علم أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، لا بد أن يناله من الناس أذى، فأمره بالصبر.

وقوله: (إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ) أي: إن الصبر على أذى الناس لمن عزم الأمور.

وقوله: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) يقول: لا تُعرِضْ بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك، احتقارًا منك لهم، واستكبارًا عليهم ولكن ألِنْ جانبك، وابسط وجهك إليهم، كما جاء في الحديث: "ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه مُنْبَسِط، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المِخيلَة، والمخيلة لا يحبها الله".

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) يقول: لا تتكبر فتحقِرَ (٥) عبادَ الله، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك. وكذا روى العوفي وعكرمة عنه.

وقال مالك، عن زيد بن أسلم: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ): لا تكَلَّم وأنت معرض. وكذا رُوي عن مجاهد، وعِكْرِمة، ويزيد بن الأصم، وأبي الجوزاء، وسعيد بن جُبَيْر، والضحاك، وابن يزيد، وغيرهم.

وقال إبراهيم النَّخعِي: يعني بذلك: التشديق في الكلام.


(١) في ف: "والأرض".
(٢) في ف، أ: "الأرض".
(٣) في ت: "كما روى".
(٤) المسند (٣/ ٢٨) وحسنه الهيثمي في المجمع (١٠/ ٢٢٥) وفيه ابن لهيعة عن دراج وهما ضعيفان.
(٥) في ت، أ: "فتحتقر".