للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والصواب القول الأول.

قال ابن جرير: وأصل الصَّعَر: داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رؤوسها، حتى تُلفَتَ (١) أعناقُها عن رؤوسها، فشبه به الرجل المتكبر، ومنه قول عمرو بن حُني التَّغْلبي:

وَكُنَّا إذَا الجَبَّارُ صَعّر خَدّه … أقَمْنَا لَه مِنْ مَيْلِه فَتَقَوّمَا (٢)

وقال أبو طالب في شعره:

وَكُنَّا قَديمًا لا نقرُّ ظُلامَة … إذا ما ثَنوا صُعْر الرؤوس نُقِيمها (٣)

وقوله: (وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا) أي: جذلا متكبرًا جبارًا عنيدًا، لا تفعل ذلك يبغضك الله؛ ولهذا قال: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) أي: مختال معجب في نفسه، فخور: أي على غيره، وقال تعالى: (٤) ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا﴾ [الإسراء: ٣٧]، وقد تقدم الكلام على ذلك في موضعه.

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى، حدثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (٥) عن ثابت بن قيس بن شَمَّاس قال: ذكر الكبر عند رسول الله فشدد فيه، فقال: "إن الله لا يحب كل مختال فخور". فقال رجل من القوم: والله يا رسول الله إني لأغسل ثيابي فيعجبني بياضها، ويعجبني شِراك نعلي، وعِلاقة سَوْطي، فقال: "ليس ذلك الكبر، إنما الكبر أن تَسْفه الحق وتَغْمِط (٦) الناس" (٧).

ورواه من طريق أخرى بمثله، وفيه قصة طويلة، ومقتل ثابت ووصيته بعد موته (٨).

وقوله: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) أي: امش مشيًا مقتصدا ليس بالبطيء المتثبط، ولا بالسريع المفرط، بل عدلا وسطًا بين بين.

وقوله: (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) أي: لا تبالغ في الكلام، ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه؛ ولهذا قال تعالى: (إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) قال مجاهد وغير واحد: إن أقبح الأصوات لصوت الحمير، أي: غاية مَنْ رفع صوته أنه يُشَبه بالحمير في علوه ورفعه، ومع هذا هو بغيض إلى الله تعالى. وهذا التشبيه في هذا بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم؛ لأن رسول الله قال: "ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه".

وقال النسائي عند تفسير هذه الآية: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن الأعرج، (٩) عن أبي هريرة، عن النبي [أنه] (١٠) قال: "إذا سمعتم صياح الديكة


(١) في ت: "تلتفت" وفي أ: "بلغت".
(٢) البيت في مجاز القرآن لأبي عبيدة (٢/ ١٢٧).
(٣) البيت في السيرة النبوية لابن هشام (١/ ٢٦٩).
(٤) في أ: "وقد قال الله تعالى".
(٥) في ت: "وروى الطبراني بإسناده".
(٦) في ت، ف: "تغمص".
(٧) المعجم الكبير (٢/ ٦٩) وفيه انقطاع بين ابن أبي ليلى وثابت.
(٨) المعجم الكبير (٢/ ٧٠) من طريق عبد الرحمن بن يزيد، عن عطاء، عن بنت ثابت بقصة أبيها، وقال الهيثمي في المجمع (٩/ ٣٢٢): "وبنت ثابت بن قيس لم أعرفها، وبقية رجاله رجال الصحيح".
(٩) في ت: "وروى النسائي عند تفسير هذه الآية بإسناده".
(١٠) زيادة من أ.