للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢١) }

يَقُولُ تَعَالَى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} أَيْ: لَوْلَا هَذَا لَكَانَ أَمْرٌ آخَرُ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى رُؤُوفٌ بِعِبَادِهِ، رَحِيمٌ بِهِمْ. فَتَابَ عَلَى مَنْ تَابَ إِلَيْهِ مِنْ هَذِهِ [الْقَضِيَّةِ] (١) وطَهَّر مَنْ طَهَّر مِنْهُمْ بِالْحَدِّ الَّذِي أُقِيمَ عَلَيْهِ.

ثُمَّ قَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} يَعْنِي: طَرَائِقَهُ وَمَسَالِكَهُ وَمَا يَأْمُرُ بِهِ، {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} : هَذَا تَنْفِيرٌ وَتَحْذِيرٌ مِنْ ذَلِكَ، بِأَفْصَحِ الْعِبَارَةِ وَأَوْجَزِهَا وَأَبْلَغِهَا وَأَحْسَنِهَا.

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} : عَمَلَهُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَغَاتِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كُلُّ مَعْصِيَةٍ فَهِيَ مِنْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ. وَقَالَ أَبُو مِجْلَز: النُّذُورُ فِي الْمَعَاصِي مِنْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ.

وَقَالَ مَسْرُوقٌ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إِنِّي حَرَّمْتُ أَنْ آكُلَ طَعَامًا؟ فَقَالَ: هَذَا مِنْ نَزَعَاتِ الشَّيْطَانِ، كَفِّر عَنْ يَمِينِكَ، وكُل.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ فِي رَجُلٍ نَذَر ذَبْح وَلَدِهِ: هَذَا مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ، وَأَفْتَاهُ أَنْ يَذْبَحَ كَبْشًا.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: غَضِبْتُ عليَّ امْرَأَتِي فَقَالَتْ: هِيَ يَوْمًا يَهُودِيَّةٌ، وَيَوْمًا نَصْرَانِيَّةٌ، وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا حُرٌّ، إِنْ لَمْ تُطْلِّقِ امْرَأَتَكَ. فَأَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ: إِنَّمَا هَذِهِ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ. وَكَذَلِكَ قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ أَفْقَهُ امْرَأَةٍ بِالْمَدِينَةِ، وَأَتَيْتُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} أَيْ: لَوْلَا هُوَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ التَّوْبَةَ وَالرُّجُوعَ إِلَيْهِ، وَيُزَكِّي النُّفُوسَ مِنْ شِرْكِهَا وَفُجُورِهَا وَدَسِّهَا وَمَا فِيهَا مِنْ أَخْلَاقٍ رَدِيئَةٍ، كُلٌّ بِحَسَبِهِ، لَمَا حَصَّلَ أَحَدٌ لِنَفْسِهِ زَكَاةً وَلَا خَيْرًا {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} أَيْ: مَنْ خَلْقِهِ، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيُرْدِيهِ فِي مَهَالِكِ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ.

وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ سَمِيعٌ} أَيْ: سَمِيعٌ لِأَقْوَالِ عِبَادِهِ (٢) {عَلِيمٌ} بِهَمْ، مَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْهُمُ الْهُدَى وَالضَّلَالَ.


(١) زيادة من ف، أ.
(٢) في ف: "العباد".

<<  <  ج: ص:  >  >>