للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وليس المراد من قوله: (إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ) أرض مصر فقط، بل هي بعض المقصود، وإن مثل بها كثير من المفسرين فليست [هي] (١) المقصودة وحدها، ولكنها مرادة قطعًا من هذه الآية، فإنها في نفسها أرض رخوة غليظة تحتاج من الماء ما لو نزل عليها مطرًا لتهدمت أبنيتها، فيسوق الله إليها النيل بما يتحمله من الزيادة الحاصلة من أمطار بلاد الحبشة، وفيه طين أحمر، فيغشى أرض مصر، وهي أرض سبخة مرملة محتاجة إلى ذلك الماء، وذلك الطين أيضًا لينبُتَ الزرع فيه، فيستغلون كل سنة على ماء جديد ممطور في غير بلادهم، وطين جديد من غير أرضهم، فسبحان الحكيم الكريم المنان المحمود ابتداء.

قال ابن لَهِيعَة، عن قيس بن حجاج، عمن حدثه قال: لما فُتِحَت مصر، أتى أهلها عمرو بن العاص -[وكان أميرًا بها] (٢) -حين دخل بؤونة من أشهر العجم، فقالوا: أيها الأمير، إن لنيلنا سُنَّة لا يجري إلا بها. قال: وما ذاك؟ قالوا: إذا كانت ثنتا عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عَمَدنا إلى جارية بِكْر بين (٣) أبويها، فأرضينا أبويها، وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في هذا النيل. فقال لهم عمرو: إن هذا ما لا يكون في الإسلام، إن الإسلام يهدم ما كان قبله. فأقاموا بؤونة والنيل لا يجري، حتى هموا بالجلاء، فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب إليه: إنك قد أصبت بالذي فعلت، وقد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي هذا، فألقها في النيل. فلما قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة ففتحها فإذا فيها: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر، أما بعد … فإنك إن كنت إنما تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله أن يجريك. قال: فألقى البطاقة في النيل، وأصبحوا يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعًا في ليلة واحدة، وقطع الله تلك السُّنَّة عن أهل مصر إلى اليوم. رواه الحافظ أبو القاسم اللالكائي الطبري في كتاب "السنة" له. (٤)

ولهذا قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ)، كما قال تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * [مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ][عبس: ٢٤ - ٣٢]؛ (٥) ولهذا قال هاهنا: (أَفَلا يُبْصِرُونَ). وقال ابن أبي نَجِيح، عن رجل، عن ابن عباس في قوله: (إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ) قال: هي التي لا تُمطر إلا مطرًا لا يغني عنها شيئا، إلا ما يأتيها من السيول.

وعن ابن عباس، ومجاهد: هي أرض باليمن.

وقال الحسن، : هي قرى فيما بين اليمن والشام.

وقال عِكْرِمة، والضحاك، وقتادة، والسُّدِّيّ، وابن زيد: الأرض الجرز: التي لا نبات فيها


(١) زيادة من ت، أ.
(٢) زيادة من ت.
(٣) في أ: "من".
(٤) كتاب السنة للالكائي برقم (٦٦) "قسم كرامات الأولياء" حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا محمد بن مخلد، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن صالح، عن ابن لهيعة به، وهو مرسل.
(٥) زيادة من ت، ف، أ.