للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن بنت الشافعي: قرأ أبي على عمي -أو: عمي على أبي -سئل سفيان عن قول علي، : الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ألم تسمع قوله: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا)، قال: لما أخذوا برأس الأمر صاروا رؤوسًا. قال بعض العلماء: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.

ولهذا قال تعالى]: (١) ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ [وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الأَمْرِ] فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ [الجاثية: ١٦، ١٧] (٢)، كما قال هنا: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أي: من الاعتقادات والأعمال.

﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (٢٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (٢٧)﴾.

يقول تعالى: أولم يهد لهؤلاء المكذبين بالرسل ما أهلك الله قبلهم من الأمم الماضية، بتكذيبهم الرسل ومخالفتهم إياهم فيما جاؤوهم به من قويم السبل، فلم يبق منهم باقية ولا عين ولا أثر؟ ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا﴾ [مريم: ٩٨]؛ ولهذا قال: (يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ) أي: وهؤلاء المكذبون يمشون في مساكن أولئك المكذبين فلا يرون فيها أحدا ممن كان يسكنها ويعمرها، ذهبوا منها، ﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ [الأعراف: ٩٢]، كما قال: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾ [النمل: ٥٢]، وقال: ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٥، ٤٦]؛ ولهذا قال هاهنا: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ) أي: إن في ذهاب أولئك القوم ودَمَارهم وما حل بهم بسبب تكذيبهم الرسل، ونجاة من آمن بهم، لآيات وعبرا ومواعظ ودلائل (٣) متظاهرة.

أَفَلا يَسْمَعُونَ) أي: أخبار من تقدم، كيف كان أمرهم؟.

وقوله: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ): يبين تعالى لطفه بخلقه، وإحسانه إليهم في إرساله الماء إما من السماء أو من السيح، وهو: ما تحمله الأنهار وينحدر من الجبال إلى الأراضي المحتاجة إليه في أوقاته؛ ولهذا قال: (إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ)، وهي [الأرض] (٤) التي لا نبات فيها، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾ [الكهف: ٨]، أي: يَبَسًا لا تنبت شيئًا


(١) زيادة من ت، ف، أ.
(٢) زيادة من ت، ف، أ.
(٣) في ت، أ: "دلالات".
(٤) زيادة من ت، أ.