للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (الْمُؤْمِنَاتِ) خرج مخرج الغالب؛ إذ لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في ذلك بالاتفاق. وقد استدل ابن عباس، وسعيد بن المسَيَّب، والحسن البصري، وعلي بن الحسين، زين العابدين، وجماعة من السلف بهذه الآية على أن الطلاق لا يقع إلا إذا تقدمه نكاح؛ لأن الله تعالى قال: (إِذَا نَكَحْتُمُ (١) الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ)، فعقب النكاح بالطلاق، فدل على أنه لا يصح ولا يقع قبله. وهذا مذهب الشافعي، وأحمد بن حنبل، وطائفة كثيرة من السلف والخلف، رحمهم الله تعالى.

وذهب مالك وأبو حنيفة، رحمهما الله، إلى صحة الطلاق قبل النكاح؛ فيما إذا قال: "إن تزوجت فلانة فهي طالق". فعندهما متى تزوجها طلقت منه. واختلفا فيما إذا قال: "كل امرأة أتزوجها فهي طالق". فقال مالك: لا تطلق حتى يعين المرأة. وقال أبو حنيفة، : كل امرأة يتزوجها بعد هذا الكلام تطلق منه، فأما الجمهور فاحتجوا على عدم وقوع الطلاق بهذه الآية.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور المروزي، حدثنا النضر بن شُمَيْل، حدثنا يونس -يعني: ابن أبي إسحاق -سمعت آدم مولى خالد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: [إذا قال] (٢): كل امرأة أتزوجها فهي طالق، قال: ليس بشيء من أجل أن الله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية.

وحدثنا محمد بن إسماعيل الأحْمَسِي، حدثنا وَكِيع، عن مطر، عن الحسن بن مسلم بن يَنّاق (٣)، عن ابن عباس قال: إنما قال الله تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ)، ألا ترى أن الطلاق بعد النكاح؟!

وهكذا روى محمد بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال الله: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) فلا طلاق [قبل النكاح] (٤).

وقد ورد الحديث بذلك عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله : "لا طلاق لابن آدم فيما لا يملك". رواه الإمام أحمد والترمذي، وأبو داود، وابن ماجه (٥). وقال الترمذي: "هذا حديث حسن". وهو أحسن شيء روي في هذا الباب. وهكذا روى ابن ماجه عن علي، والمِسْوَر بن مَخْرَمَة عن رسول الله أنه قال: "لا طلاق قبل نكاح" (٦).

[وفي الآية دليل على أن المسيس مطلق، ويراد به الوطء] (٧).


(١) في ت: "نكحتموا".
(٢) زيادة من ت.
(٣) في ت: "وروى أيضا بإسناده".
(٤) زيادة من ف، أ.
(٥) المسند (٢/ ١٨٩) وسنن الترمذي برقم (١١٨١) وسنن أبي داود برقم (٢١٩١) وسنن ابن ماجه برقم (٢٠٤٧).
(٦) سنن ابن ماجه برقم (٢٠٤٨) من طريق علي بن الحسين، عن هشام بن سعد، عن الزهري، عن عروة، عن المسور، به. وقال البوصيري في الزوائد (٢/ ١٣٢): "هذا إسناد حسن، علي بن الحسين وهشام بن سعد مختلف فيهما". وبرقم (٢٠٤٩) من طريق جويبر، عن الضحاك، عن النزال بن سبرة، عن علي، به. وقال البوصيري في الزوائد (٢/ ١٣٢): "هذا إسناد ضعيف لاتفاقهم على ضعف جويبر بن سعيد البجلي، لكن لم ينفرد به جويبر، فقد رواه البيهقي في الكبرى (٧/ ٣٢٠) من طريق معاذ العنبري، عن حميد الطويل، عن الحسن عن علي به، ثم رواه من طريق سعيد عن جويبر به موقوفا من الطريقين معا".
(٧) زيادة من ت.