للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هكذا وقع في هذه الرواية. والمشهور أن هذا كان بعد نزول الحجاب، كما رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم، من حديث هشام بن عُرْوَة، عن أبيه، عن عائشة، ، قالت: خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها، وكانت امرأة جَسيمَةً لا تخفَى على مَنْ يعرفها، فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة، أما والله ما تَخْفَين علينا، فانظري كيف تخرجين؟ قالت: فانكفأت راجعة، ورسولُ الله في بيتي، وإنه ليتعشى، وفي يده عَرْق، فدخلت فقالت: يا رسول الله، إني خرجت لبعض حاجتي، فقال لي عمر كذا وكذا. قالت: فأوحى الله إليه، ثم رُفعَ عنه وإن العَرْق في يده، ما وضعه. فقال: "إنه قد أذنَ لكن أن تخرجن لحاجتكن". لفظ البخاري (١).

فقوله: (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ): حَظَر على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله بغير إذن، كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام، حتى غار الله لهذه الأمة، فأمرهم بذلك، وذلك من إكرامه تعالى هذه الأمة؛ ولهذا قال رسول الله : "إياكم والدخول على النساء" (٢).

ثم استثنى من ذلك فقال: (إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ).

قال مجاهد وقتادة وغيرهما: أي غير متحينين نضجه واستواءه، أي: لا ترقبوا الطعام حتى (٣) إذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول، فإن هذا يكرهه الله ويذمه. وهذا دليل على تحريم التطفيل، وهو الذي تسميه العرب الضيفن، وقد صنف الخطيب البغدادي في ذلك كتابا في ذم الطفيليين. وذكر من أخبارهم أشياء يطول إيرادها.

ثم قال تعالى: (وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا). وفي صحيح مسلم عن ابن عمر، ، قال: قال رسول الله : "إذا دعا أحدكم أخاه فَلْيجب، عُرسًا كان أو غيره" (٤). وأصله في الصحيحين وفي الصحيح أيضا، عن رسول الله : "لو دُعيت إلى ذراع لأجبت، ولو أهدي إليَّ كُرَاع لقبلت، فإذا فَرَغتم من الذي دُعيتم إليه فخففوا عن أهل المنزل، وانتشروا في الأرض" (٥)؛ ولهذا قال: (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) أي: كما وقع لأولئك النفر الثلاثة الذين استرسل بهم الحديث، ونسُوا أنفسهم، حتى شَقّ ذلك على رسول الله ، كما قال [الله] (٦) تعالى: (إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) (٧).

وقيل: المراد أن دخولكم منزله بغير إذنه (٨) كان يشق عليه ويتأذى به، لكن كان يكره أن ينهاهم عن ذلك من شدة حيائه، ، حتى أنزل الله عليه النهي عن ذلك؛ ولهذا قال: (وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) أي: ولهذا نهاكم عن ذلك وزجرَكم عنه.


(١) المسند (٦/ ٥٦) وصحيح البخاري برقم (٤٧٩٥) وصحيح مسلم برقم (٢١٧٠).
(٢) رواه البخاري في صحيحه برقم (٥٢٣٢) ومسلم في صحيحه برقم (٢١٧٢) من حديث عقبة بن عامر، .
(٣) في أ: "الطعام إذا طبخ حتى".
(٤) صحيح مسلم برقم (١٤٢٩).
(٥) في صحيح البخاري برقم (٢٥٦٨) من حديث أبي هريرة، .
(٦) زيادة من ف.
(٧) بعدها في أ: "والله لا يستحيي من الحق".
(٨) في أ: "إذن".