للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عليهم آياته بينات يسمعونها غَضَّةً طرية من لسان رسوله (١) ، (قَالُوا مَا هَذَا إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ)، يعنون أن دين آبائهم هو الحق، وأن ما جاءهم به الرسول عندهم باطل -عليهم وعلى آبائهم لعائن الله- (وَقَالُوا مَا هَذَا إِلا إِفْكٌ مُفْتَرًى) يعنون: القرآن، (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ). قال الله تعالى: (وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) أي: ما أنزل الله على العرب من كتاب قبل القرآن، وما أرسل إليهم نبيًا قبل محمد ، وقد كانوا يَوَدّون ذلك ويقولون: لو جاءنا نذير أو أنزل علينا كتاب، لكنا أهدى من غيرنا، فلما مَنَّ الله عليهم بذلك كذبوه وعاندوه وجحدوه. ثم قال: (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي: من الأمم، (وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ) قال ابن عباس: أي من القوة في الدنيا. وكذلك (٢) قال قتادة، والسدّي، وابن زيد. كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الأحقاف: ٢٦]. ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً﴾ [غافر: ٨٢]، أي: وما دفع ذلك عنهم عذاب الله ولا رده، بل دمر الله عليهم لما كذبوا رسله؛ ولهذا قال: (فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) أي: فكيف كان نكالي وعقابي وانتصاري لرسلي (٣)؟

﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (٤٦)﴾.

يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء الكافرين الزاعمين أنك مجنون: (إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ) أي: إنما آمركم بواحدة، وهي: (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) أي: تقوموا قياما خالصًا لله، من غير هوى ولا عصبية، فيسأل بعضكم بعضا: هل بمحمد من جنون؟ فينصح بعضكم بعضا، (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) أي: ينظر الرجل لنفسه في أمر محمد ، ويسأل غيره من الناس عن شأنه إن أشكل عليه، ويتفكر في ذلك؛ ولهذا قال: (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ).

هذا معنى ما ذكره مجاهد، ومحمد بن كعب، والسُّدِّيّ، وقتادة، وغيرهم، وهذا هو المراد من الآية.

فأما الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة؛ أن رسول الله كان يقول: "أعطيت ثلاثا لم يعطهن مَن قبلي ولا فخر: أحلت لي الغنائم، ولم تحل لمن قبلي، كانوا قبلي يجمعون غنائمهم فيحرقونها. وبُعثت إلى كل أحمر وأسود، وكان كل نبي يبعث


(١) في ت: "رسول الله".
(٢) في ت، س: "وكذا".
(٣) في ت: "أى فكيف كان عقابي وانتصاري لرسلي".