للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلامُ الْغُيُوبِ)، كقوله تعالى: ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [غافر: ١٥]. أي: يرسل الملك إلى مَنْ يشاء من عباده من أهل الأرض، وهو علام الغيوب، فلا تخفى عليه خافية في السموات ولا في الأرض.

﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (٤٩) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠)﴾.

وقوله: (قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ) أي: جاء الحق من الله والشرع العظيم، وذهبَ الباطل وزهق واضمحل، كقوله: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ [فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ] (١)[الأنبياء: ١٨]، ولهذا لما دخل رسول الله المسجد الحرام يوم الفتح، ووجد تلك الأصنام منصوبة حول الكعبة، جعل يَطعنُ الصنم (٢) بسِيَة قَوْسِه، ويقرأ: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾، (قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ). رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وحده عند هذه الآية، كلهم من حديث الثوري، عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد، عن أبي مَعْمَر عبد الله بن سَخبَرَةَ، عن ابن مسعود، به (٣).

أي: لم يبق للباطل مقالة ولا رياسة ولا كلمة.

وزعم قتادة والسدي: أن المراد بالباطل ها هنا إبليس، إنه لا يخلق أحدا ولا يعيده، ولا يقدر على ذلك. وهذا وإن كان حقًا ولكن ليس هو المراد هاهنا (٤) والله أعلم.

وقوله: (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) أي: الخير كله من عند الله، وفيما أنزله الله ﷿ من الوحي والحق المبين فيه الهدى والبيان والرشاد، ومَنْ ضل فإنما يضل من تلقاء نفسه، كما قال عبد الله بن مسعود، ، لما سئل عن تلك المسألة في المفوَضة: أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه. (٥)

وقوله: (إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) أي: سميع لأقوال عباده، قريب مجيب دعوة الداعي إذا دعاه. وقد روى النسائي هاهنا حديث أبي موسى الذي في الصحيحين [أن رسول الله قال] (٦): "إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعا " (٧) قريبا مجيبا". (٨)


(١) زيادة من ت.
(٢) في ت، س، أ: "الصنم منها".
(٣) صحيح البخاري برقم (٢٤٧٨، ٤٢٨٧) وصحيح مسلم برقم (١٧٨١) وسنن الترمذي برقم (٣١٣٨) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٤٢٨).
(٤) في ت: "الآية"
(٥) انظر الأثر في المسند (١/ ٤٧٧).
(٦) زيادة من ت، أ.
(٧) في أ: "سميعا بصيرا".
(٨) النسائي في السنن الكبرى برقم (١١٤٢٧) وصحيح البخاري برقم (٤٢٠٥) وصحيح مسلم برقم (٢٧٠٤).