للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلت: كما قال تعالى: ﴿رَجْمًا بِالْغَيْبِ﴾ [الكهف: ٢٢]، فتارة يقولون: شاعر. وتارة يقولون: كاهن. وتارة يقولون: ساحر. وتارة يقولون: مجنون. إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة، ويكذبون بالغيب (١) والنشور والمعاد، ويقولون: ﴿إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ [الجاثية: ٣٢].

قال قتادة: يرجمون بالظن، لا بعث ولا جنة ولا نار.

وقوله: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ): قال الحسن البصري، والضحاك، وغيرهما: يعني: الإيمان.

وقال السُّدِّي: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ) وهي: التوبة. وهذا اختيار ابن جرير، .

وقال مجاهد: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ) من هذه الدنيا، من مال وزهرة وأهل. وروي [ذلك] (٢) عن ابن عباس وابن عمر والربيع بن أنس. وهو قول البخاري وجماعة. والصحيح: أنه لا منافاة بين القولين؛ فإنه قد حيل بينهم وبين شهواتهم في الدنيا وبين ما طلبوه في الآخرة، فمنعوا منه.

وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا أثرًا غريبا [عجيبا] (٣) جدًا، فلنذكره بطوله فإنه قال: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا بشر بن حجر السامي (٤)، حدثنا علي بن منصور الأنباري، عن الشَّرَقيّ ابن قُطَامي، عن سعيد بن طريف، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس في قول الله ﷿: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ) إلى آخر الآية، قال: كان رجل من بني إسرائيل فاتحًا -أي فتح الله له مالا-فمات فورثه ابن له تافه -أي: فاسد-فكان يعمل في مال الله بمعاصي الله. فلما رأى ذلك إخوان أبيه أتوا الفتى فعذلوه ولاموه، فضجر الفتى فباع عقاره بصامت، ثم رحل فأتى عينا ثجاجَة فسرَح فيها ماله، وابتنى قصرًا. فبينما هو ذات يوم جالس إذ شمَلت عليه [ريح] (٥) بامرأة من أحسن الناس وجهًا وأطيبهم أرَجا -أي: ريحًا-فقالت: من أنت يا عبد الله؟ فقال: أنا امرؤ من بني إسرائيل قالت: فلك هذا القصر، وهذا المال؟ قال: نعم. قالت: فهل لك من زوجة؟ قال: لا. قالت: فكيف يَهْنيك العيش ولا زوجة لك؟ قال: قد كان ذلك. فهل لك من بَعل؟ قالت: لا. قال: فهل لك إلى أن أتزوجك؟ قالت: إني امرأة منك على مسيرة ميل، فإذا كان غد فتزوّد زاد يوم وأتني، وإن رأيت في طريقك هولا فلا يَهُولنَّكَ. فلما كان من الغد تزود زاد يوم، وانطلق فانتهى إلى قصر، فقرع رتاجه، فخرج إليه شاب من أحسن الناس وجهًا وأطيبهم أرَجًا -أي: ريحًا-فقال: من أنت يا عبد الله؟ فقال: أنا الإسرائيلي. قال فما حاجتك؟ قال: دعتني صاحبة هذا القصر إلى نفسها. قال: صدقت، قال فهل رأيت في طريقك [هولا؟] (٦) قال: نعم، ولولا أنها أخبرتني أن لا بأس عليّ، لهالني الذي رأيت؛ أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل، إذا أنا بكلبة فاتحة


(١) في ت، س، أ: "بالبعث".
(٢) زيادة من ت.
(٣) زيادة من س، أ.
(٤) في ت: "الشامي".
(٥) زيادة من ت، س، والدر المنثور.
(٦) زيادة من ت، س، والدر المنثور.