للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكذبوهم وخالفوهم، (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ) أي: وسنجزيهم على ذلك أوفر الجزاء.

ثم قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) أي: المعاد كائن لا محالة، (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) أي: العيشة الدنيئة (١) بالنسبة إلى ما أعد (٢) الله لأوليائه وأتباع رسله من الخير العظيم فلا تَتَلَهَّوا (٣) عن ذلك (٤) الباقي بهذه الزهرة الفانية، (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) وهو الشيطان. قاله ابن عباس. أي: لا يفتننكم الشيطان ويصرفنكم عن اتباع رسل الله وتصديق كلماته فإنه غرَّار كذاب أفاك. وهذه الآية كالآية التي في آخر لقمان: ﴿فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [لقمان: ٣٣]. قال مالك، عن زيد بن أسلم: هو الشيطان. كما قال: يقول المؤمنون للمنافقين يوم القيامة حين يضرب ﴿بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [الحديد: ١٣، ١٤].

ثم بين تعالى عداوة إبليس لابن آدم فقال: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) (٥) أي: هو مبارز لكم بالعداوة، فعادوه أنتم أشد العداوة، وخالفوه وكذبوه فيما يغركم به، (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) أي: إنما يقصد أن يضلكم حتى تدخلوا معه إلى عذاب السعير، فهذا هو العدو المبين. فنسأل الله القوي العزيز أن يجعلنا أعداء الشيطان (٦)، وأن يرزقنا اتباع كتابه، والاقتفاء بطريق رسوله، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير. وهذه كقوله: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا﴾ [الكهف: ٥٠].

[وقال بعض العلماء: وتحت هذا الخطاب نوع لطيف من العتاب كأنه يقول: إنما عاديت إبليس من أجل أبيكم ومن أجلكم، فكيف يحسن بكم أن توالوه؟ بل اللائق بكم أن تعادوه وتخالفوه ولا تطاوعوه]. (٧)

﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (٨)﴾.

لما ذكر [الله] (٨) تعالى أن أتباع إبليس مصيرهم إلى [عذاب] (٩) السعير، ذكر بعد ذلك أن الذين كفروا لهم عذاب شديد (١٠)؛ لأنهم أطاعوا الشيطان وعَصَوا الرحمن، وأن الذين آمنوا بالله


(١) في أ: "المعيشة الدنية".
(٢) في ت: "ما وعد".
(٣) في أ: "فلا يلتهوا".
(٤) في س: "ذاك".
(٥) في س بعدها: "إنما يدعو حزبه".
(٦) في ت: "للشياطين".
(٧) زيادة من ت، أ.
(٨) زيادة من ت.
(٩) زيادة من ت، أ.
(١٠) في ت: "للذين كفروا عذا با شديدا".