للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَغْدُونَ قَدْرَ مَا يَشْتَهِي الرَّاكِبُ أَنْ يَنْزِلَ شَهْرًا وَرَوَاحَهَا شَهْرًا، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي مَسِيرٍ لَهُ، إِذْ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَفَقَدَ الْهُدْهُدَ فَقَالَ: (١) {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} ، قَالَ: فَكَانَ عَذَابُهُ إِيَّاهُ أَنْ يَنْتِفَهُ، ثُمَّ يُلْقِيهِ فِي الْأَرْضِ، فَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ نَمْلَةٍ وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ.

قَالَ عَطَاءٌ: وَذَكَرَ سَعِيدِ بْنِ جُبَير عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} -فَقَرَأَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ - {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا} وَكَتَبَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، إِلَى بِلْقِيسَ: {أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} ، فَلَمَّا أَلْقَى الْهُدْهُدُ بِالْكِتَابِ (٢) إِلَيْهَا، أُلْقِيَ فِي رُوعها: إِنَّهُ كِتَابٌ كَرِيمٌ، وَإِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ، وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأَتَوْنِي مُسْلِمِينَ. قَالُوا: نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ. قَالَتْ: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا، وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ. فَلَمَّا جَاءَتِ الْهَدِيَّةُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ، ارْجِعْ إِلَيْهِمْ. فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى الْغُبَارِ -أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: وَكَانَ بَيْنَ سُلَيْمَانَ وَبَيْنَ مَلِكَةِ سَبَأٍ ومَنْ مَعَهَا حِينَ نَظَرَ إِلَى الْغُبَارِ كَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحِيرَةِ، قَالَ عَطَاءٌ: وَمُجَاهِدٌ حِينَئِذٍ فِي الْأَزْدِ -قَالَ سُلَيْمَانُ: أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا؟ قَالَ: وَبَيْنَ عَرْشِهَا وَبَيْنَ سُلَيْمَانَ حِينَ نَظَرَ إِلَى الْغُبَارِ مَسِيرَةُ شَهْرَيْنِ، {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} . قَالَ: وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ مَجْلِسٌ يَجْلِسُ فِيهِ لِلنَّاسِ، كَمَا يَجْلِسُ الْأُمَرَاءُ ثُمَّ يَقُومُ -قَالَ: (٣) {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} . قَالَ سُلَيْمَانُ: أُرِيدُ أَعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ: أَنَا أَنْظُرُ فِي كِتَابِ رَبِّي، ثُمَّ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ. قَالَ: [فَنَظَرَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ فَلَمَّا قَطَعَ كَلَامَهُ رَدَّ سُلَيْمَانُ بَصَرَهُ] (٤) ، فَنَبَعَ عَرْشُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمِ سُلَيْمَانَ، مِنْ تَحْتِ كُرْسِيٍّ كَانَ سُلَيْمَانُ يَضَعُ عَلَيْهِ رِجْلَهُ، ثُمَّ يَصْعَدُ إِلَى السَّرِيرِ. قَالَ: فَلَمَّا رَأَى سُلَيْمَانُ عَرْشَهَا [مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ] (٥) قَالَ: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} ، {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} ، فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ لَهَا: أَهَكَذَا عَرْشُكِ؟ قَالَتْ: كَأَنَّهُ هُوَ. قَالَ: فَسَأَلَتْهُ عَنْ أَمْرَيْنِ، قَالَتْ لِسُلَيْمَانَ: أُرِيدُ مَاءً [مِنْ زَبَدٍ رِوَاءً] (٦) لَيْسَ مِنْ أَرْضٍ وَلَا مِنْ سَمَاءٍ -وَكَانَ سُلَيْمَانُ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ، سَأَلَ الْإِنْسَ ثُمَّ الْجِنَّ ثُمَّ الشَّيَاطِينَ. [قَالَ] (٧) فَقَالَتِ الشَّيَاطِينُ: هَذَا هَيِّنٌ، أجْرِ الخيلَ ثُمَّ خُذْ عَرَقَهَا، ثُمَّ امْلَأْ مِنْهُ الْآنِيَةَ. قَالَ: فَأَمَرَ بِالْخَيْلِ (٨) فَأُجْرِيَتْ، ثُمَّ أَخَذَ عَرَقَهَا فَمَلَأَ مِنْهُ الْآنِيَةَ. قَالَ: وَسَأَلَتْ عَنْ لَوْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: فَوَثَبَ سُلَيْمَانُ عَنْ سَرِيرِهِ، فَخَرَّ سَاجِدًا، فَقَالَ: يَا رَبِّ، لَقَدْ سألَتْني عَنْ أَمْرٍ إِنَّهُ يَتَكَايَدُ (٩) ، أَيْ: يَتَعَاظَمُ فِي قَلْبِي أَنْ أَذْكُرَهُ لَكَ. قَالَ: ارْجِعْ فَقَدْ كَفَيتكهم، قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ: مَا سَأَلْتِ عَنْهُ؟ قَالَتْ: مَا سَأَلْتُكَ إِلَّا عَنِ الْمَاءِ. فَقَالَ لِجُنُودِهِ: مَا سَأَلَتْ عَنْهُ؟ فَقَالُوا: مَا سَأَلَتْكَ إِلَّا عَنِ الْمَاءِ. قَالَ: ونَسوه كُلُّهُمْ. قَالَ: وَقَالَتِ الشَّيَاطِينُ لسُلَيمان: تُريدُ أَنْ تَتَّخِذَهَا لِنَفْسِكَ (١٠) ، فَإِنِ اتَّخَذَهَا لِنَفْسِهِ ثُمَّ وُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، لَمْ نَنْفَكَّ مِنْ عُبُودِيَّتِهِ. قَالَ: فَجَعَلُوا صَرْحًا مُمَرَّدًا مِنْ قَوَارِيرَ، فِيهِ السَّمَكُ. قَالَ: فقيل لها:


(١) في ف: "قال وتفقد الهدهد قال".
(٢) في ف، أ: "هذا الكتاب".
(٣) في ف، أ: "فقال".
(٤) زيادة من ف، أ.
(٥) زيادة من ف، أ.
(٦) زيادة من ف.
(٧) زيادة من ف.
(٨) في ف: "أمر الخيل".
(٩) في ف، أ: "ليتكابر".
(١٠) في ف، أ: "يريد أن يتخذها لنفسه".

<<  <  ج: ص:  >  >>