للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (٦) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٧)﴾.

قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أول "سورة البقرة"، ورُوي عن ابن عباس وعِكْرِمَة، والضحاك، والحسن وسفيان بن عُيَيْنَة (١) أن "يس" بمعنى: يا إنسان.

وقال سعيد بن جبير: هو كذلك في لغة الحبشة.

وقال مالك، عن زيد بن أسلم: هو اسم من أسماء الله تعالى.

(وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) أي: المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

(إِنَّكَ) يا محمد (لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي: على منهج ودين قويم، وشرع مستقيم.

(تَنزيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) أي: هذا الصراط والمنهج والدين الذي جئت به مُنزل من رب العزة، الرحيم بعباده المؤمنين، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ﴾ [الشورى: ٥٢، ٥٣].

وقوله تعالى: (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ) يعني بهم: العرب؛ فإنه ما أتاهم من نذير من قبله. وذكرهم وحدهم لا ينفي مَنْ عداهم [كما زعمه بعض النصارى] (٢)، كما أن ذكر بعض الأفراد لا ينفي العموم. وقد تقدم ذكر الآيات والأحاديث المتواترة في عموم بعثته، صلوات الله وسلامه عليه، عند قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨].

وقوله: (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ): قال ابن جرير: لقد وجب العذاب على أكثرهم بأن [الله قد] (٣) حتم عليهم في أم الكتاب أنهم لا يؤمنون، (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) بالله، ولا يصدقون رسله.

﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (١٢)

يقول تعالى: إنا جعلنا هؤلاء المحتوم عليهم بالشقاء نسبتهم إلى الوصول إلى الهدى كنسبة من جُعل في عنقه غل، فجَمَع يديه مع عنقه تحت ذقنه، فارتفع رأسُه، فصار مقمَحا؛ ولهذا قال: (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) والمقمح: هو الرافع رأسه، كما قالت أم زَرْع في كلامها: "وأشرب فأتقمَّح" أي:


(١) في ت: "وعكرمة وغيرهما".
(٢) زيادة من أ.
(٣) زيادة من ت، س.