للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهكذا رُوي عن بُرَيدة بن الحُصَيب، وعِكْرِمَة، وقتادة، والزهري: أنها أنطاكية.

وقد استشكل بعض الأئمة كونَها أنطاكية، بما سنذكره بعد تمام القصة، إن شاء الله تعالى.

وقوله: (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا) أي: بادروهما بالتكذيب، (فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ) أي: قويناهما (١) وشددنا أزرهما برسول ثالث.

قال ابن جُرَيْج، عن وهب بن سليمان، عن شعيب الجبائي قال: كان اسم الرسولين الأولين شمعون ويوحنا، واسم الثالث بولص، والقرية أنطاكية.

(فَقَالُوا) أي: لأهل تلك القرية: (إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) أي: من ربكم الذي خلقكم، نأمركم بعبادته وحده لا شريك له. قاله أبو العالية.

وزعم قتادة بن دعامة: أنهم كانوا رسل المسيح، ، إلى أهل أنطاكية. (قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا) أي: فكيف أوحيَ إليكم وأنتم بشر ونحن بشر، فلم لا أوحيَ إلينا مثلكم؟ ولو كنتم رسلا لكنتم ملائكة. وهذه شبه (٢) كثير من الأمم المكذبة، كما أخبر الله تعالى عنهم في قوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا﴾ [التغابن: ٦]، فاستعجبوا (٣) من ذلك وأنكروه. وقوله: ﴿قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [إبراهيم: ١٠]. وقوله حكاية عنهم في قوله: ﴿وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾ [المؤمنون: ٣٤]، ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولا﴾؟ [الإسراء: ٩٤]. ولهذا قال هؤلاء: (مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) أي: أجابتهم رسلهم الثلاثة قائلين: الله يعلم أنا رسله إليكم، ولو كنا كَذَبة عليه لانتقم منا أشد الانتقام، ولكنه سيعزنا وينصرنا عليكم، وستعلمون لمن تكون عاقبة الدار، كقوله تعالى: ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٢]. (٤)

(وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) يقولون إنما علينا أن نبلغكم ما أرسلنا به إليكم، فإذا أطعتم كانت لكم السعادة في الدنيا والآخرة، وإن لم تجيبوا فستعلمون غِبَّ ذلك، والله أعلم.

﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩)

فعند ذلك قال لهم أهل القرية: (إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ) أي: لم نرَ على وجوهكم خيرًا في عيشنا.

وقال قتادة: يقولون إن أصابنا شر فإنما هو من أجلكم.

وقال مجاهد: يقولون: لم يدخل مثلكم إلى قرية إلا عذب أهلها.

(لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ): قال قتادة: بالحجارة. وقال مجاهد: بالشتم.


(١) في ت: "قويناهما بثالث".
(٢) في ت، س: "شبهة".
(٣) في ت، س: "أي استعجبوا".
(٤) في ت، س، أ، هـ: "يعلم ما في السموات وما في الأرض" والصواب ما أثبتناه.