للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بذلك الخلق الكثير، قاله مجاهد، والسُّدِّيّ، وقتادة، وسفيان بن عيينة.

وقوله: (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ)؟ أي: أفما (١) كان لكم عقل في مخالفة ربكم فيما أمركم به من عبادته (٢) وحده لا شريك له، وعُدُولُكم إلى اتباع الشيطان؟!

قال ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن رافع، عمن حدثه عن محمد بن كعب القرظي، (٣) عن أبي هريرة، ، أن رسول الله قال: "إذا كان يوم القيامة أمر الله جهنم فيخرج منها عُنق ساطع مظلم، يقول: (٤) (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ * هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) امتازوا اليوم أيها المجرمون. فيتميز الناس ويجثون، وهي التي يقول الله تعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥)[الجاثية: ٢٨].

﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧)

يقال للكفرة من بني آدم يوم القيامة، وقد برزَت الجحيم لهم تقريعًا وتوبيخًا: (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) أي: هذه التي حذرتكم الرسل فكذبتموهم، (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ﴾ [الطور: ١٣ - ١٥].

وقوله تعالى: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ): هذا حال الكفار والمنافقين يوم القيامة، حين ينكرون ما اجترموه في الدنيا، ويحلفون ما فعلوه، فيختم الله على أفواههم، ويستنطق جوارحهم بما عملت.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة، حدثنا مِنْجَاب بن الحارث التميمي، حدثنا أبو عامر الأسدي، حدثنا سفيان، عن عبيد المُكتب، عن الفُضَيْل بن عمرو، عن الشعبي، (٦) عن أنس بن مالك قال: كنا عند النبي ، فضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال: " أتدرون مم أضحك؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: "من مجادلة العبد ربه يوم القيامة، يقول: رب (٧) ألم تجرني من الظلم؟ فيقول: بلى. فيقول: لا أجيز علي إلا شاهدًا من نفسي.


(١) في ت، س: "أما".
(٢) في ت، س: "عبادة الله".
(٣) في ت: "وروى ابن جرير بإسناده".
(٤) في ت، س، أ: "ثم يقول".
(٥) تفسير الطبري (٢٣/ ١٦).
(٦) في ت: "روى النسائي ومسلم".
(٧) في ت، س: "يارب".