للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خَبَرِهِمَا، فَقَصَّتَا عَلَيْهِ مَا فَعَلَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَبَعَثَ إِحْدَاهُمَا إِلَيْهِ لِتَدْعُوَهُ إِلَى أَبِيهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} أَيْ: مَشْيَ الْحَرَائِرِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ مستتَرة بِكُمِّ درْعها.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا [أَبِي، حَدَّثَنَا] (١) أبو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: جَاءَتْ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ، قَائِلَةً بِثَوْبِهَا عَلَى وَجْهِهَا، لَيْسَتْ بِسَلْفَعٍ (٢) خَرَّاجة وَلَاجَّةً. هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: السَّلْفَعُ مِنَ الرِّجَالِ: الْجَسُورُ، وَمِنَ النِّسَاءِ: الْجَرِيئَةُ السَّلِيطَةُ، وَمِنَ النُّوقِ: الشَّدِيدَةُ.

{قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} ، وَهَذَا تَأَدُّبٌ فِي الْعِبَارَةِ، لَمْ تَطْلُبْهُ طَلَبًا مُطْلَقًا لِئَلَّا يُوهِمَ رِيبَةً، بَلْ قَالَتْ: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} يَعْنِي: لِيُثِيبَكَ وَيُكَافِئَكَ عَلَى سَقْيِكَ لِغَنَمِنَا، {فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ} أَيْ: ذَكَرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، وَمَا جَرَى لَهُ مِنَ السَّبَبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْ أَجْلِهِ مِنْ بَلَدِهِ، {قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} . يَقُولُ: طِبْ نَفْسًا وَقرّ عَيْنًا، فَقَدْ خرجتَ مِنْ مَمْلَكَتِهِمْ فَلَا حُكْم لَهُمْ فِي بِلَادِنَا. وَلِهَذَا قَالَ: {نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} .

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذَا الرَّجُلِ: مَنْ هُوَ؟ عَلَى أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ شُعَيْبٌ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ (٣) الَّذِي أُرْسِلَ إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ كَثِيرِينَ، وَقَدْ قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ؛ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ شُعَيْبًا هُوَ الَّذِي قَصَّ عَلَيْهِ مُوسَى الْقَصَصَ قَالَ: {لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} .

وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَعْدٍ الْعَنَزِيِّ أَنَّهُ وَفَدَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: "مَرْحَبًا بِقَوْمِ شُعَيْبٍ وأَخْتان مُوسَى، هُديت" (٤) .

وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ ابْنَ أَخِي شُعَيْبٍ. وَقِيلَ: رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ قَوْمِ شُعَيْبٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ شُعَيْبٌ قَبْلَ زَمَانِ مُوسَى، عَلَيْهِ (٥) السَّلَامُ، بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هُودٍ: ٩٥] . وَقَدْ كَانَ هَلَاكُ قَوْمِ لُوطٍ فِي زَمَنِ الْخَلِيلِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ (٦) بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ مُوسَى وَالْخَلِيلِ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، مُدَّةٌ طويلة تزيد على أربعمائة سنة، كما


(١) زيادة من ف، أ.
(٢) في ف: "تستلفع".
(٣) في ف: "صلى الله عليه وسلم" وفي أ: "صلى الله عليه".
(٤) المعجم الكبير (٧/٥٥) من طريق حفص بن سلمة عن شيبان بن قيس عن سلمة بن سعد به، وقال الهيثمي: "فيه من لم أعرفهم".
(٥) في ت: "عليهما".
(٦) في ت: "صلى الله عليه وسلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>