للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذا حديث غريب من هذا الوجه، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة. والمراد بذلك نظمه لا إنشاده، والله أعلم. على أن الشعر فيه ما هو مشروع، وهو هجاء المشركين الذي كان يتعاطاه شعراء الإسلام، كحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رَوَاحة، وأمثالهم وأضرابهم، أجمعين. ومنه ما فيه حكم ومواعظ وآداب، كما يوجد في شعر جماعة من الجاهلية، ومنهم أمية بن أبي الصلت الذي قال فيه النبي الله : "آمن شعره وكفر قلبه". (١) وقد أنشد بعض الصحابة منه للنبي مائة بيت، يقول عقب كل بيت: "هيه". يعني يستطعمه، فيزيده من ذلك. (٢)

وقد روى أبو داود من حديث أُبي بن كعب، وبُريدة بن الحُصَيْب (٣)، وعبد الله بن عباس، أن رسول الله قال: "إن من البيان سحرًا، وإن من الشعر حكما" (٤).

ولهذا قال تعالى: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ) يعني: محمدًا ما علمه الله شعرًا، (وَمَا يَنْبَغِي لَهُ) أي: وما يصلح له، (إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) أي: ما هذا الذي علمناه، (إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) أي: بين واضح جلي لمن تأمله وتدبره. ولهذا قال: (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا) أي: لينذر هذا القرآن البيّن كلّ حي على وجه الأرض، كقوله: ﴿لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام: ١٩]، وقال: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هود: ١٧]. وإنما ينتفع بنذارته من هو حَيّ القلب، مستنير البصيرة، كما قال قتادة: حي القلب، حي البصر. وقال الضحاك: يعني: عاقلا (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ) أي: هو رحمة للمؤمن، وحجة على الكافر.

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣)

يذكر تعالى ما أنعم به على خلقه من هذه الأنعام التي سخرها لهم، (فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ): قال قتادة: مطيقون (٥) أي: جعلهم يقهرونها (٦) وهي ذليلة لهم، لا تمتنع منهم، بل لو جاء صغير إلى بعير لأناخه، ولو شاء لأقامه وساقه، وذاك ذليل منقاد معه. وكذا لو كان القطَارُ مائة بعير أو أكثر، لسار الجميع بسيرِ صغيرٍ.

وقوله: (فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ) أي: منها ما يركبون في الأسفار، ويحملون عليه الأثقال، إلى سائر الجهات والأقطار. (وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ) إذا شاؤوا نحروا واجتزروا.

(وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ) أي: من أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثًا ومتاعًا إلى حين، (وَمَشَارِبُ) أي: من ألبانها وأبوالها لمن يتداوى، ونحو ذلك. (أَفَلا يَشْكُرُونَ)؟ أي: أفلا يُوَحِّدُون خالق ذلك ومسخره، ولا يشركون به غيره؟


(١) رواه ابن عبد البر في التمهيد (٤/ ٧) من طريق أبي بكر الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس، .
(٢) رواه مسلم في صحيحه برقم (٢٢٥٥) من حديث الشريد، .
(٣) في أ: "الخصيف".
(٤) سنن أبي داود برقم (٥٠١٠ - ٥٠١٢).
(٥) في أ: "مطيعون".
(٦) في أ: "يرونها".