للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من السماء فيلقيها إلى الذي تحته، ويلقيها الآخر إلى الذي تحته، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها بقدر الله قبل أن يأتيه الشهاب فيحرقه، فيذهب بها الآخر إلى الكاهن، كما تقدم في الحديث، ولهذا قال: (إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) أي: مستنير.

قال (١) ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا وَكِيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: كان للشياطين مقاعد في السماء فكانوا (٢) يستمعون الوحي. قال: وكانت النجوم لا تجري، وكانت الشياطين لا تُرْمى قال: فإذا سمعوا (٣) الوحي نزلوا إلى الأرض، فزادوا في الكلمة تسعًا. قال: فلما بعث رسول الله ، جعل الشيطان إذا قعد مقعده جاء شهاب فلم يُخْطئه حتى يُحرقَه. قال: فشكوا ذلك إلى إبليس، فقال: ما هو إلا من أمْر حدث. قال: فَبَثّ جنوده، فإذا رسول الله قائم يصلي بين جبلي نخلة -قال وكيع: يعني بطن نخلة-قال: فرجعوا إلى إبليس فأخبروه، فقال: هذا الذي حدث. (٤)

وستأتي الأحاديث الواردة مع الآثار في هذا المعنى عند قوله تعالى إخبارا عن الجن أنهم قالوا: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا * وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن: ٨ - ١٠].

﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (١١) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (١٨) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩)

يقول تعالى: فَسَل هؤلاء المنكرين للبعث: أيما أشد خلقًا هم أم (٥) السماوات والأرض، وما بينهما من الملائكة والشياطين والمخلوقات العظيمة؟ -وقرأ ابن مسعود: "أم من عددنا"-فإنهم يُقرّون أن هذه المخلوقات أشد خلقًا منهم، وإذا كان الأمر كذلك فلم ينكرون البعث؟ وهم يشاهدون ما هو أعظم مما أنكروا (٦). كما قال تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: ٥٧] ثم بين أنهم خُلقوا من شيء ضعيف، فقال (إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ)

قال مجاهد، وسعيد بن جبير، والضحاك: هو الجيّد الذي يلتزق بعضه ببعض. وقال


(١) في ت: "وروى".
(٢) في ت، س: "قال: فكانوا".
(٣) في أ: "استمعوا".
(٤) تفسير الطبري (٢٣/ ٢٥).
(٥) في س: "أو".
(٦) في ت، أ: "أنكروه".