للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقالوا: صاحبكم ينبئكم أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجر، فأنزل الله ﷿:: (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) غذت من النار، ومنها خلقت.

وقال مجاهد: (إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) قال أبو جهل -لعنه الله-: إنما الزقوم التمر والزبد أتزقمه.

قلت: ومعنى الآية: إنما أخبرناك يا محمد بشجرة الزقوم اختبارا تختبر (١) به الناس، من يصدق منهم ممن يكذب، كقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٦٠].

وقوله: (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) أي: أصل منبتها في قرار النار، (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ) تبشيع [لها] (٢) وتكريه لذكرها.

قال وهب بن منبه: شعور الشياطين قائمة إلى السماء.

وإنما شبهها برءوس الشياطين وإن لم تكن معروفة عند المخاطبين؛ لأنه قد استقر في النفوس أن الشياطين قبيحة المنظر.

وقيل: المراد بذلك ضرب من الحيات، رءوسها بشعة المنظر.

وقيل: جنس من النبات، طلعه في غاية الفحاشة.

وفي هذين الاحتمالين نظر، وقد ذكرهما ابن جرير، والأول أقوى وأولى، والله أعلم.

وقوله: (فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ)، ذكر تعالى أنهم يأكلون من هذه الشجرة التي لا أبشع منها، ولا أقبح من منظرها، مع ما هي عليه من سوء الطعم والريح والطبع، فإنهم ليضطرون إلى الأكل منها، لأنهم لا يجدون إلا إياها، وما (٣) في معناها، كما قال [تعالى]: (٤) ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ﴾ [الغاشية: ٦، ٧].

وقال ابن أبي حاتم، : حدثنا أبي، حدثنا عمرو بن مرزوق، حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، ، أن رسول الله تلا هذه الآية، وقال: "اتقوا الله حق تقاته، فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا، لأفسدت على أهل الأرض معايشهم فكيف بمن يكون طعامه؟ ".

ورواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، من حديث شعبة، (٥) وقال الترمذي: حسن صحيح.

وقوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ) قال ابن عباس: يعني شرب الحميم على الزقوم.


(١) في ت، س: تختبر.
(٢) زيادة من ت، س، أ.
(٣) في ت، س: "أو ما هو".
(٤) زيادة من ت، س.
(٥) سنن الترمذي برقم (٢٥٨٥) والنسائي الكبرى برقم (١١٠٧٠) وسنن ابن ماجه برقم (٤٣٢٥).