للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) أي: نقف صفوفًا في الطاعة، كما تقدم عند قوله: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا﴾. قال ابن جُرَيْج، عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث قال: كانوا لا يصفون في الصلاة حتى نزلت: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ)، فصفوا.

وقال أبو نَضْرَة: كان عمر إذا أقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه، ثم قال: أقيموا صفوفكم، استووا قياما، يريد الله بكم هدي الملائكة، ثم يقول: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ)، تأخر يا فلان، تقدم يا فلان، ثم يتقدم فيكبر، . رواه ابن أبي، حاتم وابن جرير.

وفي صحيح مسلم عن حذيفة، ، قال: قال رسول الله : "فُضِّلنا على الناس بثلاث: جُعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض مسجدًا، وتربتها طهورا" الحديث (١).

(وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) أي: نصطف فنسبح الرب ونمجده ونقدسه وننزهه عن النقائص، فنحن عبيد له، فقراء إليه، خاضعون لديه.

وقال ابن عباس، ومجاهد: (وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ) الملائكة، (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) الملائكة، (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ): الملائكة يسبحون الله ﷿.

وقال قتادة: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ)، يعني: المصلون، يثبتون (٢) بمكانهم من العبادة، كما قال تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٢٦ - ٢٩].

وقوله: (وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ * لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأوَّلِينَ * لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) أي: قد كانوا يتمنون قبل أن تأتيهم يا محمد لو كان عندهم من يذكرهم بأمر الله، وما كان من أمر القرون الأولى، ويأتيهم بكتاب الله، كما قال تعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا﴾ [فاطر: ٤٢]، وقال: ﴿أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٦، ١٥٧]؛ ولهذا قال هاهنا:: (فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)، وعيد أكيد وتهديد شديد، على كفرهم بربهم -وتكذيبهم -رسوله (٣).

﴿


(١) سبق تخريجه في أول السورة.
(٢) في ت: "ينبئون".
(٣) في أ: " تسليماً ".