للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٤) وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٥) } .

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ فِي كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ وَمُكَابَرَتِهِمْ، وَدَفْعِهِمُ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ: إِنَّهُ مَا كَانَ لَهُمْ جَوَابٌ بَعْدَ مَقَالَةِ إِبْرَاهِيمَ هَذِهِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْهُدَى وَالْبَيَانِ، {إِلا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ} ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَامَ عَلَيْهِمُ الْبُرْهَانُ، وَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ، فَعَدَلُوا إِلَى اسْتِعْمَالِ جَاهِهِمْ وَقُوَّةِ مُلْكِهِمْ، {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ. فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأسْفَلِينَ} [الصَّافَّاتِ: ٩٧، ٩٨] ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ حَشَدوا فِي جَمْعِ أَحِطَابٍ عَظِيمَةٍ مُدَّةً طَوِيلَةً، وحَوّطوا حَوْلَهَا، ثُمَّ أَضْرَمُوا فِيهَا النَّارَ، فَارْتَفَعَ لَهَا لَهَبٌ إِلَى عَنَان السَّمَاءِ: وَلَمْ تُوقَدْ (١) نَارٌ قَطُّ أَعْظَمُ مِنْهَا، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَكَتَّفُوهُ وَأَلْقَوْهُ فِي كفَّة الْمَنْجَنِيقِ، ثُمَّ قَذَفُوا بِهِ فِيهَا، فَجَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، وَخَرَجَ مِنْهَا سَالِمًا بَعْدَ مَا مَكَثَ فِيهَا أَيَّامًا. وَلِهَذَا وَأَمْثَالِهِ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ إِمَامًا. فَإِنَّهُ بَذَلَ نَفْسَهُ لِلرَّحْمَنِ، وَجَسَدَهُ لِلنِّيرَانِ، وَسَخَا بِوَلَدِهِ لِلْقُرْبَانِ، وَجَعَلَ مَالَهُ لَلضِّيفَانِ، وَلِهَذَا اجْتَمَعَ عَلَى مَحَبَّتِهِ جَمِيعُ أَهْلِ الْأَدْيَانِ.

وَقَوْلُهُ: {فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ} أَيْ: سَلَّمه [اللَّهُ] (٢) مِنْهَا، بِأَنْ جَعَلَهَا عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يَقُولُ لِقَوْمِهِ مقرِّعا لَهُمْ وَمُوَبَّخًا عَلَى سُوءِ صَنِيعِهِمْ، فِي عِبَادَتِهِمُ الْأَوْثَانَ: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ هَذِهِ لِتَجْتَمِعُوا عَلَى عِبَادَتِهَا فِي الدُّنْيَا، صَدَاقَةً وَأُلْفَةً مِنْكُمْ، بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. وَهَذَا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ نَصَبَ {مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ} ، عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ، وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ الرَّفْعِ فَمَعْنَاهُ: إِنَّمَا اتِّخَاذُكُمْ (٣) هَذَا يُحَصّل لَكُمُ الْمَوَدَّةَ


(١) فِي ت: "توجد".
(٢) زيادة من ت، ف.
(٣) في ف، أ: "إنما اتخذتم".

<<  <  ج: ص:  >  >>