للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكوفي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكر نحوه. وقال الترمذي (١) حسن (٢)

وقولهم: (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ) أي: ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه محمد من التوحيد في الملة الآخرة.

قال مجاهد وقتادة وابن (٣) زيد: يعنون دين قريش.

وقال غيرهم: يعنون النصرانية، قاله محمد بن كعب والسدي.

وقال العوفي عن ابن عباس: (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ) يعني: النصرانية قالوا: لو كان هذا القرآن حقا أخبرتنا به النصارى.

(إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ) قال مجاهد، وقتادة كذب وقال ابن عباس: تخرص.

وقولهم: (أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا) يعني: أنهم يستبعدون تخصيصه بإنزال القرآن عليه من بينهم كلهم كما قالوا في الآية الأخرى: ﴿لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] قال الله تعالى: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ [الزخرف: ٣٢] ولهذا لما قالوا هذا الذي دل على جهلهم وقلة عقلهم في استبعادهم إنزال القرآن على الرسول من بينهم، قال الله تعالى: (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ) أي: إنما يقولون هذا لأنهم ما ذاقوا إلى حين قولهم ذلك عذاب الله ونقمته سيعلمون غب ما قالوا، وما كذبوا به يوم يُدَعّون إلى نار جهنم دَعّا.

ثم قال مبينا أنه المتصرف في ملكه الفعال لما يشاء الذي يعطي من يشاء ما يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء ويهدي من يشاء ويضل من يشاء وينزل الروح من أمره على من يشاء من عباده ويختم على قلب من يشاء، فلا يهديه أحد من بعد الله وإن العباد لا يملكون شيئا من الأمر وليس إليهم من التصرف في الملك ولا مثقال ذرة وما يملكون من قطمير؛ ولهذا قال تعالى منكرا عليهم: (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) أي: العزيز الذي لا يرام جنابه الوهاب الذي يعطي ما يريد لمن يريد.

وهذه الآية شبيهة بقوله: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا﴾ [النساء: ٥٣: ٥٥] وقوله ﴿قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا﴾ [الإسراء: ١٠٠] وذلك بعد الحكاية عن الكفار أنهم أنكروا بعثة الرسول البشري وكما أخبر تعالى عن قوم صالح [] (٤) حين قالوا: ﴿أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأَشِرُ﴾ [القمر: ٢٥: ٢٦]


(١) في ت: "ورواه الترمذي وقال: حديث حسن".
(٢) سنن الترمذي برقم (٣٢٣٢) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٤٣٦) وتفسير الطبري (٢٣/ ٧٩).
(٣) في ت: "وأبو".
(٤) زيادة من أ.